أوقات كتير بشوف إن فيه مجرمين ما كانوش في طبعهم الإجرام، ولا كانوا يتخيلوا إنهم في يوم من الأيام يوصلوا لجريمة من أبشع الجرائم وهي القتل.
بس ضعف شخصيتهم وتسرعهم أوقات بيوصلهم من أشخاص عادية لمجرمين مستنيين حكم الإعدام.
أنا الظابط مدحت، في قسم أول قرية تلا
من ساعة ما انتقلت القسم ده من سنة، وأغلب البلاغات: خناقة، سرقة، ومفيش حاجات كبيرة... الأمور كانت هادية جدًا في القرية.
لحد ما في يوم، لسه داخل المكتب الساعة ٧ الصبح، لقيت الشاويش جاي بيقولي:
– فيه واحدة بره يا افندم عايزة تقدم بلاغ.
قولت له وأنا بقلع الجاكيت:
– دخلها وهاتلي القهوة بتاعتي.
هزلي راسه بالموافقة وخرج، وبعد ثواني دخلت ست لابسة جلابية، وواضح إنها من أهل البلد.
كان وشها أصفر وقالتلي بتوتر:
– ابني يا بيه اختفى ومش لاقياه.
قولتلها بهدوء:
– اقعدي بس كده واهدي، وقوليلي اسمك وسنك.
قالتلي وهي بتعد:
– اسمي سناء، وعندي ٣٠ سنة.
قولتلها وأنا بكتب البيانات:
– ابنك عنده كام سنة؟ واسمه إيه؟ واختفى من إمتى؟
قالتلي وهي موطّية:
– اسمه عبد الرحمن، عنده ٥ سنين، ومختفي من يومين يا بيه.
بصيتلها باستغراب وقلت:
– غريبة... ولسه فاكرة تبلغي دلوقتي؟
قالتلي بتوتر:
– كنت بدوّر عليه أنا وأهلي في كل حتة يا بيه، فكنت بحسب هلاقيه.
قولتلها:
– آخر مرة كان فين؟ ومع مين؟
سكتت ومردّتش.
فكررت سؤالي بنبرة جادة:
– ما تردّي علشان أقدر أساعدك... كان مع مين وفين؟
قالتلي:
– كان بيلعب في الشارع، ولما غاب نزلت أدوّر عليه، ملقتهوش.
قمت وقعدت قدامها وقلت:
– ما سألتيش العيال اللي كان بيلعب معاهم؟
قالتلي:
– سألتهم كلهم، بس محدش عارف راح فين.
قولتلها وأنا مركز في عنيها:
– افتكري كويس يا سناء... أي تفصيلة ممكن تكون مهمة.
حطت إيدها على راسها وقالت:
– فيه ولد قالنا إنه شافه واقف مع بنت، بس مش من البلد، أول مرة يشوفها... ومشي معاها، وبعدها اختفى.
قولتلها وأنا باخد القهوة من الشاويش:
– غريبة... ومتعرفيش مين البنت دي؟
قالتلي وهي بتعيط:
– أبدًا يا بيه، الولد قال إنها غريبة، مش من البلد، وحتى لبسها باين إنه من البندر.
قولتلها:
– طب سنها في حدود كام كده يا سناء؟
قالتلي وهي بتمسح دموعها:
– العيال قالولي إنها أطول منه بشوية.
خلصت القهوة، وقمت قعدت قدامها، وقلت:
– هو فين والده يا سناء؟ مش شايفه يعني؟
قامت بتوتر، وفضلت تفرك في إيديها، وقالت:
– أصل... أصل يا بيه، والده بيشتغل موظف حكومي في مصر، وبييجي في الأجازات.
قولتلها وأنا بشاور لها علشان تقعد:
– اهدي بس، وقوليلي... رد فعله كان إيه لما عرف؟
رجعت تعيط تاني، وقالت:
– أنا بصراحة ما قلتلوش يا بيه... أنا خفت، أصله عصبي، وقلت في بالي يمكن ألاقيه وميعرفش إنه تاه مني.
قولتلها باستغراب:
– وهتفضلي مخبّية لحد إمتى؟
سكتت شوية، وقالت:
– مش عارفة يا بيه... يمكن تلاقوه قبل ما ييجي في الاجازة.
قمت وقعدت على المكتب، وقلت:
– لأ، لازم يعرف يا سناء... لأن كمان إحنا بنحقق مع كل الناس اللي ليها علاقة بالطفل، يمكن نلاقي أي معلومة تفيدنا وإحنا بندوّر عليه
بصيت لها وأنا بولّع سيجارة وقلت:
ـ انتي عايشة لوحدِك يا سناء؟
قالتلي وهي لسه موطية:
ـ لا يا بيه، أنا عايشة مع أمي ست كبيرة ومريضة، وأبويا ميت من سنين، ومليش حد في البلد. فيّ اللي هاجروا، ومنهم اللي مات.
بصيت لها وقلت بهدوء:
ـ طيب يا سناء، ادّيني عنوان بيتك، وأنا هطلّع أوامر بالبحث عن ابنك في كل المناطق اللي في البلد، وإن شاء الله نلاقيه. بس لحد اللحظة دي لازم تبلّغي جوزك، ضروري، علشان لازم نحقّق معاه. فاهمة؟
بصّت لي بتوتر وقالت:
ـ حاضر يا بيه، هقوله.
قولتلها وأنا برن الجرس للعسكري:
ـ تمام، وياريت ما تخرجيش برّه البلد، علشان في أي وقت أحتاجك ألاقيكِ.
العسكري دخل، قلت له:
ـ خد العنوان ده، وخد معاك مخبرين وعساكر، ودوروا حوالين البيت، واسألوا كل الجيران لو حد عنده أي معلومة.
وبعدين بصيت لسناء وقلت:
ـ وأنا يا سناء، هاجي معاكي، توريني الشارع اللي كان بيلعب فيه، وتعرفيني على الأولاد اللي كان بيلعب معاهم، علشان أسألهم كام سؤال كده.
وفعلاً رحت معاها، كان شارع بعد بيتها بشارعين، شارع ضيق وفيه ولاد كانوا بيلعبوا في الشارع.