فات أسبوع وإحنا بنعمل تحريات مع أخواتها واعمامه، وماطلعش ولا دليل يبين إن ليهم يدّ في الموضوع. حتى كاميرات المراقبة حوالين العمارة ماظهرتش دخول أو خروج لأي حد منهم.
ولما واجهنا ابنهم بكلام المحامي قال: «بابا بعد كده صااحني ووعدني لما أتخرّج هيدّيني اللي أنا عايزه». وماكانش قدامنا غير إننا نقفل القضية على إنها تسمّم من سمك فاسد — والطب الشرعي أكد وجود نسبة من المبيد الحشري — وسلمنا الجثث لأهلهم عشان يدفنوهم.
بس بعد شهرين حصلت المفاجأة اللي محدش كان متوقعها.
كنت قاعد في المكتب، جه العسكري وقاللي: «في ست كبيره برّه يا أفندم بتقول إنها أم المهندس كريم الشناوي وعايزة تكلم حضرتك ضروري».
شاورتله أنه يدخلها
دخلت ست كبيرة لابسة عباية سمرا، قعدت ومسحت دموعها من تحت النضارة وقالت: «أنا أم المهندس كريم. جيت أقدّم بلاغ عن حفيدي — هو اللي قتل أمّه وأبوه وأخته».
استغرّبت وقلت لها: «إيه اللي خلاك تجيّي دلوقتي بعد شهرين وتقدّمي البلاغ عن حفيدك؟»
قالت بحزن: «خدت بالي كويس يا بيه؛ بعد وفاتهم أحمد مكنش باين عليه أي زعل خالص، بالعكس، عايش حياته — خروجات وبنات وسهر. وكل ما أزوره ألاقيه طبيعي وبيضحك وكأن مافيش حاجة. والأهم إني سمعته وهو بيكلم واحدة في التليفون ويقول لها إنه هو اللي عمل كده هو اه حفيدي ومن ريحة ابني بس م هيبقى اغلي من ابني روحي ».
أدّيتها كباية مية علشان تهدى وقلت لها: «اهدي يا حجة، إن شاء الله هنفتح القضية تاني ونعيد التحريات. ولو فعلاً له يد اتأكدي أنه هياخد جزاؤه».
عملنا تحريات تانية وسألنا كل المقربين من أحمد، وطلع إن من أول أسبوع كان عايش حياته طبيعي، والجيران اشتكوا إنه بيجيب بنات الشقّة. استدعينا أحمد تاني.
قلتلُه بعصبية وأنا بمشي حواليه: «للأسف يا أحمد جدتك قالت إنها سمعتك وإنك انت اللي حطّيت السم في الأكل، وواضح من اللي حواليك إنك مش متأثّر بموتهم».
في الأول أنكر، لكن بعد الضغط قال وهو منهار: «ماكنتش أقصد أموتهم. سمعت والدي بيقول إنه اشترى سم عشان في كلب مؤذي بيجي العمارة».
حطّيت إيدي على كتفه وقلت: «يعني رحت وحطّيت السم في السمك عشان تتخلّص منهم؟»
ردّ وهو بيصرخ: «لا يا بيه ، أنا كنت عايزهم يتعبوا شوية ويدخلوا المستشفى عشان أجيب أصحابي البيت لأن والدي مش موافق. مكنتش متخيل إن الموضوع يوصل لكده — أنا مش قاتل. هو دايمًا بيميّز أختي؛ هي ممكن تجيب أصحابها وأنا لا، وكل طلباتها بيتزافق عليها . فتح لها كذا صيدلية وانا لما طلبت مشروع موبايلات صغير رفض وقال استنى لما تخلص».
قلتلُه وانا بعد: «للأسف يا أحمد، هيتقبض عليك بتهمة قتلهم. أوراقك هتتحول للنيابة».
رنّيت الجرس على العسكري عشان ياخده على الحبس. وتاني يوم لقيت أخت مرات المهندس جاية ومعاها محامي،
قالتلّي: «صحيح، أم المهندس كريم بلغت عن أحمد».
قلت لها وانا بعز رأسي بالموافقه: «للأسف، آه، وطلع معاها حق، وأحمد اعترف بكل حاجة».
قالت بعصبية: «مستحيل! أحمد مايعملش كده. هي عملت كده عشان الورث يبقى ليها ولاخوّاتها ويستولوا عليه، وهو مش من حقهم دي اكيد خطتهم الجديده بس على جثتي أن ده يحصل».
قلت لها بهدوء: «بقولك اعترف بكل حاجة».
المحامي وقَف وهو بيمد أيده يسلم عليا وقال: «أنا المحامي حامد السيد، محتاج أعد مع موكلي وأفهم منه اللي حصل».
فعلاً استدعيت أحمد من الحبس، أول ما دخل خالته اتكلمت بعصبية: «مين ضغط عليك علشان تعترف على نفسك بالاعتراف الفظيع ده؟! أنا عارفة إنهم عيلة أبوك اللي أقنعوك بكده. أنا هقف جنبك وجبتلك أشطرمحامي عشان تطلع منها».
أحمد سلّم على المحامي، و قال فجأة: «أنا بريء يا أستاذ، ماعملتش حاجة. معقول أنا أقتل أهلي؟! الكل ضغط عليا هنا في القسم».
بصيتله باستغراب وقلت: «أنت بتقول إيه؟ إحنا ضغطنا عليك؟»
قال بتوتر: «أيوه... أنا خفت. لما شفت إن كل الأدلة ضدي، ولما جدّتي بلغت وبتقول إنها سمعتني، ضغطوا عليا وبقيت أقول أي حاجة من التوتر».
المحامي بصلي وقال: «أنا اطلعت على القضيه، والاعتراف اللي بيجي تحت ضغط نفسي مايتاخدش بعين الاعتبار».
بتراجع أحمد عن الاعتراف القضية خدت مجرى تاني خالص، والمحاكم فضلوا يأجلوا الجلسات واحدة ورا التانية. كل مرة المحامي حامد السيد يطلعلي بخطة جديدة: «يا أفندم، فيه ثغرة في القضية، نقدر نطلب تأجيل علشان نراجع المستندات ونجيب شهادة جديدة».
القضية اتأجلت ١٣ سنة في المحاكم بين تأجيل واستئناف، لأن القاضي صعب ينطق بالحكم بالإعدام من غير ما يكون متأكد مليون في المية من قراره.
وفي يوم كان فيه جلسة، وكنت متوقع كالعادة إن المحامي هيطالب بالتأجيل. قبل ما يتكلم المحامي، لقينا واحدة في أوائل التلاتين دخلت القاعة وقالت: "يا سيادة القاضي، أنا حابة أتكلم."
الكل بصلها، والقاضي سمح لها تقف على المنصة وقالها: "اسمك إيه وعلاقتك إيه بالقضية دي؟"
قالت بتوتر: "أنا وسام محمد، وأنا وأحمد كنا على علاقة ببعض من ١٣ سنة."
القاضي قالها: "قولي والله العظيم أقول الحق."
وبعد ما قالت، سألها: "إيه علاقتك بالقضية وإيه اللي تعرفيه وعايزة تقوليّه؟"
قالت وهي بتفرك في إيدها: "أنا وأحمد كنا بنحب بعض، وكان وعدني بالجواز، بس كنا كل شوية نتخانق عشان كل شوية أشوفه مع بنت غير التانية. بس لما أهله توفوا، كلمته بعدها وقال لي إنه هو اللي عمل كده عشان كل الفلوس والملايين تبقى ليه لوحده ويقدر يتجوزني."
يومها أنا اتخنقت معاه وقطعت علاقتي بيه واتجوزت واحد تاني وسافرت بره.
رفعت إيدي للقاضي عشان أسألها، وفعلاً سمح لي. وقفت قدامها وقلت لها: "إشمعنى بعد ١٣ سنة يا وسام جيتي تقولّي الكلام ده؟"
قالت بحزن: "من ساعة ما سافرت حياتي كانت كلها مشاكل وتعاسة. كنت كل ما أفكر إن ده ذنب إني عارفة حاجة زي كده وسكت، ولما كنت بقرر أنزل مصر وأقول كل حاجة. كنت بخاف لحسن يتقبض عليّ أنا كمان، بس دلوقتي أنا أطلقت ورجعت، ومش قادرة أفضل شايلة الذنب ده، تعبت."
المحامي رفع إيده عشان يسألها هو كمان، وفعلاً القاضي سمح له.
قال لها بعصبية: "واحنا نعرف منين إنك بتقولي الحقيقة؟ مش يمكن حبيتي بعد السنين دي تقولي كده عشان تنتقمي منه؟"
قالت ودموعها نازلة: "أنا عارفة نوع السم هو قالي عليه، وكمان هو قالي إنه شاكك إن جدته سمعته وهو بيكلمني وبيحكيلي على اللي عمله. يوم ما سمعته كان بيتكلم معايا، مفيش أي سبب يخليِّي أكذب. أنا بس عايزة أريح ضميري."
وبعد ما رفعت الجلسة للمداولة، جه وقت النطق بالحكم.
قال القاضي:
بعد ما استمعت المحكمة لكل الشهود وأخذت كل الأدلة بعين الاعتبار، وبعد ما سمعت شهادة وسام محمد بكل وضوح وصدق، وبعد المداولة الدقيقة بيني وبين زملائي القضاة، نرى أن ما صدر من المتهم من أفعال يشكل جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، وأن الدوافع كانت مادية وطمع شديد.
وبناءً على ذلك، المحكمة تحكم بالإعدام شنقًا للمتهم أحمد كريم الشناوي
رفعت الجلسه…








































