كنت بالأمس جالسا في حديقة ميدان الرفاعي بعد المغرب للراحة قليلا بعد رجوعي من عيادة طبيبة المخ والأعصاب، ففوجئت بشاب ووراءه عدة شباب يتسابقون داخل الحديقة بالدراجات ، وقد حذرتهم من قيادة الدراجات داخل الحديقة فهذا ليس مكانها الطبيعي ،لكنهم لم يصغوا ويعملوا بكلامي ، وبعد دقائق اصطدم أحدهم بفتاة كانت تسير وسط الميدان ، وعندما وقعت التف حولها الجالسون ليروا ما أصابها فصرخت وطلبت الشرطة التي على بعد أمتار تقف، لكنها لم تستجب ،وفروا الشباب المستهتر دون أن يحاسبهم أو يعاقبهم أحد ، وبعدها بنصف ساعة عادوا بدراجاتهم كأن شيئا لم يكن ، ومع سرعة الدراجات وسباقهم وراء بعضهم البعض
أصطدم أحد الشبان بامرأة عجوز بدراجته كانت تسير ببطء لكبر سنها ،
وبدلا من أن يعتذر لها ويساعدها
على النهوض أخذ يضحك عليها هو ورفاق السؤ المستهترون فاقدي الذوق والأخلاق والرحمة والقاسية قلوبهم !!
ثم استأنفوا سيرهم دون أن يلتفتوا لما حدث لها رغم كانت منبطحة على الأرض فقمت مسرعا من مكان جلوسي ومدت لها يدي لتجلس معتدلة على إحدى المقاعد ... ونظرت على الشاب الذي صدمها فكان يسرع بالدراجة خارج الحديقة خشية أن يكون حدث مكروه للسيدة المصابة، ففكرت كيف أجعله يأتي مرة أخرى وبسرعة للحديقة ،
فناديت على الشاب الذي صدم العجوز بصوت عالٍ قائلاً :
لقد سقط منك شيء؟
فعاد الشاب مسرعاً
وأخذ يبحث فلم يجد شيئاً،
فقلت له : لا تبحث كثيراً.لقد سقطت "رجولتك" ولن تجدها أبداً !
فنظر لي بغيظ وضيق وظل يتمتم ويزمجر بالكلام ،ثم انصرف من مكانه دون أن يعارضه أو يقف له أحد قط.
وبالرغم مما قلته وتلفظت له به من الفاظ، بعدما رأيت العجوز قد انخرطت في البكاء وهي تتألم وقوعها على الأرض ، الغريبة أن كل القابعين على المقاعد ينظرون في صمت ولم ينبسوا ببنت شفة، وكأن على رأسهم الطير منسلخين من أشياء اسمها الشهامة والرجولة مكتفيين بالنظر والصمت ،
وأنا أتساءل مندهشا :كيف لحديقة مخصصة لجلوس الناس ليرتاحوا بها قليلا تجوب بها الدراجات من صبية مستهترة وعابثة، وتصطدم بالجالسين والمشاه دون أن يلتفت لهم مسؤل ليمنعهم أو يعاقبهم على ما يصنعونه من كل هذه الفوضى و العبث والاستهتار ؟
لا سيما أن الشرطة يقفون بسياراتهم باستمرار على بعد خطوات داخل الحديقة؟
ولماذا يلتزمون الصمت ولا يتدخلون في أي كارثة أو مصيبة تقع للناس الذين يتنفسون الصعداء ويستنشقون الهواء ؟
لماذا لا يعاقبون هؤلاء الشباب والصبية أو يتم تحذيرهم الذين يضربون القانون بعرض الحائط جهارا أمام الجميع وعلى الملء؟
لقد خاطرت بنفسي لأدافع عن المرأة العجوز وحزنت عندما وجدتها مريضة وغير قادرة على المشي ،وتسير بصعوبة بالغة يصدمها بالدراجة شاب مستهتر، فغلى الدم في عروقي وحدث ماحدث، دون أن يتحرك أحد ، ولولا ستر الله وعنايته لماتت السيدة،
لست أدري ماذا ينتظرون كي يتحركوا ؟
على كل إن الحَياة لا قيمَة لهَا ،إذا تَجرّدت من الأدب ومن الــذوق
ومن الإحتـرَام
ومن الأخـــلاق، ومن الرحمة.
وبكل أسف التفكك والتفسخ الذي طرأ على المجتمع والشارع السيناوي لم يسبق له مثيل من قبل .
ولاحول ولا قوة إلا بالله ٍ