كثيرا ما أقوم برحلات أدبية بناء على تلبية دعوات شخصية كمشاركتي شخصية عامة أو المشاركة بمحور بحثي أو إدارة إحدى الجلسات القصصية أو الروائية أو الأمسيات الشعرية أو شهادة ضمن الشهادات الأدبية أو حفل توقيع كتاب لأحد الكتاب أو الكاتبات بين ربوع مصر الحبيبة مابين مؤتمر أدباء مصر السنوي الذي يعقد كل عام في محافظة من محافظات مصر أو المؤتمر الإقليمي لعدة محافظات مصرية أو معرض القاهرة الدولي للكتاب بالتجمع الخامس ، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب تعرفت صدفة على رجل مثقف في إحدى أمسيات المعرض ، والذي كما قال سنويا لا يتغيب عن مشاركته بالمعرض مهما كلفه ذلك من مصاريف لأنه الزاد الثقافي والجرعة الثقافية الدسمة والمعتبرة على حد قوله في مصر ، رغم ما يتكبده من سفر من أسوان للقاهرة ويقبع بفندق برمسيس طوال مدة المعرض لكنه يشعر بلذة ومتعة لا تضاهى عندما يحضر ويستمع لفعاليات المعرض ، وبحكم اقامتي معه صدفة بنفس الفندق برمسيس ، فقد علمت منه أنه عامل بإحدى المدارس الابتدائية بإسوان وهو أصلا أسيوطي من بلد تدعى ( أبنوب الحمام) لكنه عشق تراب أسوان وقضى طول حياته بأسوان بحكم عمل والده شاويشا بالجيش هناك منذ نعومة أظفاره ، وعلمت أنه يعيش تحت خط الفقر، ووالدته تحتاج لعلاج قلب متطور فتأثرت بكلامه وحبه الجارف للثقافة والأدب رغم أنه ليس معه شهادة سوى الابتدائية إلا أن لديه خلفية ثقافية أدبية عالمية تضاهي كثيرا من أدعياء الثقافة والأدب في زمننا هذا، وما أكثرهم وأكثرهن ، فكتبت وقتئذٍ عنه في جريدة الأهرام وعن حالة أمه ، فقرأت ما كتبت عنه وعن أمه نداء توجهت به للإنسانة للسيدة الفاضلة وزيرة الصحة ، وخاطبت وقتها وكيل وزارة الصحة بأسوان الذي قام بدوره بإرسال الحالة للقاهرة للجنة طبية فقرروا إجراء عملية لأمه علي نفقة الدولة بكل كرامة ونجاح ،لا فضل لي في ذلك سوى أن نشرت جزء من حياته كنموذج مثقف ناجح ومأساة والدته المريضه طريحة الفراش ، وكلما حضر للقاهرة في معرض الكتاب يهاتفني ويعلم موعد قدومي لمعرض القاهرة من العريش ، ليكبد نفسه مشقة إحضار في كل مرة هدية من أسوان كركدية وسوداني أسوان وأشياء أخرى ، لي منذ سنوات رغم إلحاحي له بعدم أخذها أو أخذ مقابلها وأنني لم أفعل شئ ولا أريد منه سوى أن يشفيني الله ويصلح لي حالي وينتقم لي ممن ضروني وأذوني لكنه يأبى ذلك مرددا : "كلامك عني بالجريدة حسسني إني نجيب محفوظ ياكبير ، وخلى صحة أمي زي البمب بعد العملية وتقولي معملتش حاجة، روح ياشيخ إللهي يفرجها عليك ويشفيك ويصلح حالك ويوريك يوم أسود فيمن ظلمك ، فأردد وراءه أمين أمين ياعم قناوي" .