يقول – كارليل – فى متابه : الأبطال : (( البطولة فى مذهبى هى العروة المقدسة ، التى تربط ما بين الرجل العظيم و بين سائر الناس ))
وفى ظنى أن (( فؤاد حجازى )) قد تعلم هذا الدرس منذ صباه الباكر ، و القراءة المتمهلة لقصص فؤاد حجازى ، تؤكد لنا ، انه قد ربط بين كلام – كار ليل – عن البطولة ، و بين الواقع المقيد بالمشاكل – من حوله سواء فى (( المنصورة – حى الشيخ حسنين )) ، أو تواجده فى الأسر .صغرة ، و ضخمة فى نفس الوقت ، للمجتمع المصري ، بريفه و حضره - بقراه – و مدنه و لابد قبل أن نتعرض لرواية (( الرقص على طبول مصرية )) لكاتبنا القدير فؤاد حجازى – نتعرف عليه فى سطور موجزة – فهو بغنى عن التعريف و المعرف لا يعرف .
و هما – هذان الوجهان المختلفان – صورة مصغرة ، و ضخمة فى نفس الوقت ، للمجتمع المصري ، بريفه و حضره - بقراه – و مدنه و لابد قبل أن نتعرض لرواية (( الرقص على طبول مصرية )) لكاتبنا القدير فؤاد حجازى – نتعرف عليه فى سطور موجزة – فهو بغنى عن التعريف و المعرف لا يعرف 00
هو من مواليد 8 – 12 – 1938 – المنصورة .
حاصل على جائزة الدولة التشجعية 1992 م مجموعة أدب الطفل ( الأسد ينظر فى المرآة ) و تيمور بالمجلس الاعلى للثقافة عن مجموعة ( كحكة للصبى ) 1991 م و جائزة مبارك ( الأول ) عن مسرحية ( بنات رشد ) .
# ترجمت قصصه ( النيل ينبع من المقطم ) إلى الإنجليزية إلى الألمانية ( الست أم عادل ) و إلى الروسية ( الأسرى يقيمون المتاريس ) ترجمت منها فصول ؛
له عدة أعمال من أهمها :
سلامات – كواكيب – الزمن المستباح – النيل ينبع من المقطم – كحكة للصبى – شارع الخلا – المحاصرون – الأسرى يقيمون المتاريس - العمرة – القرفصاء – حاملات البلاليص – عفواً رئيس الديوان – أمن الذئاب – براءة مارية القبطية – نافذة بحر طناح – و جبال و رصاص – متهمون تحت الطلب – عنقود و سمرة ؛ و غيرها الكثير من المسرح و أدب الطلائع .
لقد بين لنا " فؤاد حجازى " فى روايته " الرقص على طبول مصرية " كيف كانت حرب اكتوبر صفحة مشرقة من صفحات النضال المصرى و العربى من أجل استرداد أرض سيناء المحتلة و محو العار و يصور فى الرواية البطولات و التضحيات التى بذلت فى سبيل النصر ، و يقول لمن يرون الحرب غولا يلتهم الوطن أن الحرب كانت هى الوسيلة الوحيدة لانقاذ شرف الوطن و عودة سيناء إلى احضان الأم مصر .
أن الرواية التى يقدمها هذا العمل الفنى لهى رواية حقيقة خاضها الكاتب نفسه بين المقاتلين أثناء الحرب المجيدة و إبان أسره لمدة ثمان أشهر فى معسكر " عتينليت " ، و معظم أحداثها حقيقية تدور بين ربوع و أراضى سيناء " العريش " – رفح – رماله – الشيخ زويد – بالوظة " ألخ
كما أن الشخصيات التى يشار اليها داخل النص ايضا حقيقية ، أو بعضها من نسج خياله – لكنه أعمل خياله للواقعية الساحرية ، و قد أسهم هذا فى جعل رواية " الرقص على طبول مصرية " قطعة نابضة بالصدق
** تشكيل الشخصية :
قدم لنا " فؤاد حجازى " فى روايته مجموعة من الشخصيات الناضجة فينا التى تمثل قطاعات مختلفة من المجتمع المصرى ، و أعمل على انخراطها – فيما بعد – مع أبناء سيناء صهراً و ارتباطاً ذاتياً و عمليا و أولها : المهندس حمدى يعشق الارض و الفواكه السيناوية لاسيما الخوخ الذى حاول أن ينقل منه جزءاً إلى أرضه فى المنصورة بسبب بسبب يبوسه الخوخ عندهم .
أنه انسانى الطبع حريص على اقامة علاقات انسانية من اهل سيناء و يتعامل معهم ومع مشاكلهم الحياتية اليومية .
سعد الدرى آتياً من الصعيد ، المنيا – حاصلاً على دبلوم – و يعمل ميكانيكى سيارات – كان يعمل فى الزراعة مع المهندس حمدى إلى جانب دوره البارز فى معركة أكتوبر ، إلى جانب شخصيات صفية و صفوت و الرائد عبد السلام فاروق و الريس محمد عايش و العايدى و حمدية شقيقة حمدى و سمية التى أحببت حمدى و أحبها رغم حبه من قبل لصفية و العلاقة بينهما كانت غير مستتبة بسبب فشلها فى زيجة سابقة .
و أهم شخصيات روايتنا – بلا شك – هو الراوى الحقيقى لهذا العمل و أكثر الشخصيات اكتمالاً من الناحية الفنية .
و بطلنا ينظر للنكسة كطعنة شخصية له ، جعلته : " و انبثق فى ذهنه مقال بهى الدين عن تخلفنا الحضارى ، الذى سبب الهزيمة – و هل لهم حضارة أولئك المجلوبون من شوارع أوربا ، و متى عملوا حضارة ؟ " لكنه اصابه الملل من طول الانتظار ، لذا نراه يحصى المدة من النكسة للحرب بالايام و الساعات : " بعد ظهر السادس من أكتوبر البشير عام 1973 و بالتحديد فى الساعة الثانية و خمس دقائق ، كان جندى الشرطة العسكرية ينظم المرور المتجه من الضفة الغربية لقناة السويس إلى الضفة الشرقية ، مشيراً بيمناه ناحية الشرق "
و ما أن تمضى سطور قليلة من القصة حتى نسمع هذا البطل يقول : " علمنا أن الطائرات ستعبر فى الثانية إلا خمس دقائق بعدها ستقوم المدفعية بثلاث قصفات حتى الثانية و العشرين دقيقة .
و لا يذهب الملل عن بطلنا إلا مع بداية الحرب ، إذ نرى موجه من الفرح تملأ جوانب نفسه إلى حد البكاء :
" صاح سعد : اله اكبر ، و لم يصدق نفسه ، حين سمع الرقيب يقول : أحسن و يشير له أن يعيد الطعن ، الله اكبر فوق مياة القناة ، الله أكبر فوق الساتر الترابى فى الشرق و الغرب .
و مع الحرب يبدأ الخوف ، ليس الخوف الجبان على الحياة ، بل الخوف على الرجال و على مصر من أن يصيبها مكروه ، و مع هذا الخوف يبدأ التوتر العصبي ، فهو يتابع الانتصارات و يسعد بها و يصيبه الضيق عند حدوث أى خسائر و كأنه يريد حرباً لا تخسر فيها بلاده شيئاً ، لكنه رغم الخوف و التوتر يحلم بدور يحكيه لأهله و أولاده مستقبلاً و ما أن يكلف باستطلاع منطقة فيها جنود اسرائليين على الفور يقوم بواجبه دون تردد
و يؤمن بطلنا ايماناً قوياً بأن النصر هو البداية ، لذلك هو يقوم بدوره على أكمل وجه حتى تحترق دباباته تحت قصف الطائرات ، و يستشهد رفاقه و تصاب ساق زميله ، و يصر على القتال أيا كانت العواقب الوخيمة ، و يخلى مع الجرحى من جبهة القتال
** الدور الوظيفى للشخصية :
أن شخصية البطل هنا شخصية حقيقية ، و قد نجح الكاتب نجاحاً باهراً فى نقل أرق مشاعرها و تصوير الاحاسيس المركبة التى تصل لحد التناقض أحيانا بشكل يحسب له بلا جدال .
فحبه الشديد لصفية و تنافرها هى من تكرار الزواج مرة أخرى ..طه بسمية السيناوية فيها تناقض لكنه تناقض يسمو بالجدلية الشكلية الشكلية للقالب النصى التى تبرز مهارة و دربة الكاتب الكبير .
الملاحظة الوحيدة على هذه الشخصية أن الراوى أتى ببعض المعلومات عن اهل سيناء دون أن يراعى الدقة فى انتقائها ، ومنها مثلاً ادانته لبعض السائقين – بطريقة غير مباشرة طبعاً – بأنهم يأخذون سيارات المرسيدس من العدو مجاناً مقابل أن يسجلوا على اشرطة حوارات الركاب و بعد تسجيلها تسلم لهم و اغفل الكاتب للأسف أن أبناء سيناء شيباً و رجالاً و نساء قد ضحوا بكل ما هو غال فى الدفاع عن بلدهم فحبسوا و اعتقلوا فى معتقلات اسرائيلية و مازال البعض منهم حتى الان و آخرهم البطل المناضل " محمود السواركه "" الذى ظل زهاء الأثنى و عشرون عاماً داخل سجون إسرائيل
و يتضح ما قاله كاتبنا فى ص 177
" سات العربة ، و قد نفثت فى وجهه ، دخاناً أسود مرسيدس أربعة أبواب و تعمل بالجاز ، مستورد من اسرائيل ، و يقول بعض السائقين فى العريش اسرائيل تعطيها لمن يطلبها مجاناً فقط تعطيه جهاز تسجيل ليسجل أحاديث الركاب و أن يسلمها الشريط ، كلما امتلأ "
طبعاً هذا ما ذكره الكاتب و هو خال من الصحة و مبنياً على التضليل و البهتان
** التتابع الحدثى فى الرواية :
و مما يستوقفنا فى هذا العمل الفنى الجميل هذا القاموس اللغوي و تلك التعبيرات العسكرية التى تشير إلى خبره حقيقة بحياة الجندية و الحرب و الآلآت العسكرية التى تستعمل فهى عن جد تضفى على العمل فيضاً من الصدق و فيما يلى بعض مفردات هذا القاموس و تعبيراته :
(( الساتر الرملى ليس رملا قاعدة خرسانية فوقها سكة حديدة ، عليها عربات قطر ، ملأوها بالدبش و التراب ، و فوقهها طبقة من الرمال أو الطفلة ، روعى أن تكون هشة ، حتى تسلقها و ارتفاع الساتر يزيد على خمسة عشر متراً و عليه تجهيزات تسمح بصعود الدبابات و السد محاط بأسلاك شائكة مكهربة "
و فى مقطع آخر يقول :
(( تنفرط القنبلة إلى كرات صغيرة ، تشبه كرات التنس ، كل كره إذا اصطدمت باحد ، انفرطت إلى حبات صغيرة من البلى ، كأتها رشاش ، تنطلق فى كل اتجاه فى وقت واحد ، ترشق فى عدة أماكن من الجسد ، يتهدل الجسم الحي و ينبثق الدم ، و يصعب وقف النزيف ))
إن هذا القاموس و تلك التعبيرات يسهمان فى رسم الجو العام للرواية ، و إضفاء مزيد من الصدق على أحداثها كما يدلان على خبرة الكاتب بالعسكرية و ثراء قاموسه
و ترتفع لغة النص فى مواضع كثيرة لمستوى الشعر خاصة فى لحظات ملاقاة محبوبته ( ندا ، ص 199 (( اقتربا من البحر ، صامتين ، متناغمين ، و أطراف الأمواج تداعب حواف الشاطئ العريض الممتد تحت غلالة المساء الشفيفة و قد أطلت سعف النخيل و بعض الباسقات من الكافور من خلف البيوت الواطنة ، المتناثرة على حافة الشاطئ من الجهة الأخرى بينما تنسحب بقايا الأشعة ، و قد رقت و ازدادت الرطوبة ، و تلاقت العيون ))
إن هذه الشاعرية كانت عاملاً رئيسياً فى الابتعاد بالعمل كثيراً عن الخطابية التى من الممكن أن يقع فيها نظراً لحرارة الموضوع ، و لقد أثرت الجمل على البناء العام كثيراً ، و لا شك أن موسيقيتها و ظروف الحرب التى قيلت فيها يبررانها
** محور الديمومة الزمنية : -
و السرد فى قصتنا يتم بلغة فصحى على عكس الحوار الذى يعتمد العامية ، لكن فى الحالتين نجد أن الجملة القصيرة السريعة هى الأساس .
و احسب أن لجوء كاتبنا " فؤاد حجازى " للعامية فى الحوار كان بحثا عن مزيد من الصدق ، و اظنه نجح فى تحقيق هدفه
و الضمير المستخدم فى الرواية ضمير الغائب ، و احيانا ياتى ضمير المتكلم ، و هذا ايضا مصدر من مصادر الاحساس بالصدق فى النص
و مع أن السرد القائم على ضمير الغائب – المتكلم هو عماد القصة الا اننا نجده يمتزج بسمات أخرى فى بعض المواضع ، ففى البداية نجد شكلاً تسجيلياً يعتمد على رصد الحداث باليوم و التاريخ و الساعة ، و فى اكثر من موضع نجد رجوعاص بالذامرة ( Flash Back ) يحاول الكاتب من خلاله أن يثرى الحدث أو الشخصية الرئيسية فى الرواية
كما نجد الوصف لبعض المدن و تحويها من ميادين و شوارع و أزقة و أشجار مثل " العريش – المنصورة " قد أضفى هذا التنوع الوصفى فى الاساليب الشكلية على قصتنا حيوية واضحة خالصة و أن توظيف الاساليب كان جيداً
** سردية المكان الاليف :
و استفاد ايضاً كاتبنا بالتراث استفادة جيدة و فى اكثر من صورة استفاد به حين جعل " مسجد العباسي "
بالعريش هو الملجا الوحيد لأبناء سيناء حينما يتزوجون و يعقد قرانهم و يرتادون المسجد بشكل دائم للبعد عن المغريات التى تعرضها عليهم القنوات الاسرائيلية من جنس رخيص و افلام غير هادفة :
" اصبح تقليداً ، عقد القرآن ، فى مسجد العباسي بسوق الخميس منذ الاحتلال الاسرائيلى ، فحين تصدع الجامع ، اعاد الأهالى بناءه ، ضد رغبة الاسرائيلين الذين كانوا يخشون من تجمع الناس فيه ، و جعلوا كل زيجاتهم تتم فيه
و كان الأهالى يسارعون بتزويج من يبلغ مبلغ الشباب خشية تعرضهم للغواية ، فقد انتشرت افلام الجنس و انتشر الفيديو ووصل ارسال التلفزيون الاسرائيليى إلى العريش و كان يبث فيلماً جنسياً يوم الجمعة من كل أسبوع اما البنات فقد فرض عليهم الأهل الملابس السوداء التى تغطى البنت من أساسها إلى رأسها ، حتى لا تتعرض لأى معاكسة من جنود الأحتلال " ص 262
أن هذه الاشارات و التعبيرات ساعدت الكاتب على توصيل معانيه من أقرب الطرق و أكثرها تأثيراً
و رغم جهامة الموضوع و حديثه إلا أن الكاتب يضيف عليه من آن لآخر بعض البسمات مثل :
" رفع السادات رأسه من النعش ، و سأل وزير الداخلية : كم عدد الحضور فى الجنازة ؟ "
- 99.9.85 ( اشارة إلى نسبة الأصوات ، التى يعلنها وزير الداخلية ، فى كل مرة على استفتاء رئاسة الجمهورية أن الرئيس حصل عليها )
- ادفن ص 254 و غيرها
و قد أضفت هذا البسمات على الشخصيات طابعاً إنسانياً كما كسرت حدة الموضوع
و اخيراً
يظهر أن " فؤاد حجازى "" قد أزمع أن يكون المؤرخ القصصى لعهد الثورة ، كما يصنع كبار القصاص الغربيين بالقياس إلى الأحداث الكبرى التى تحدث فى أوطانهم متأثراً بفكر – و لتر سكوت – أو كان يبتكر هذا النوع من القصص التاريخى فقد صور " حجازى " كما رأينا شبوب الثورة تصويراً رائعاً فى " المحاصرو " ثم صور تأميم القناة و ما تبعها من أحداث " سلامات "
من حقى أن أضيف أن " يحيى حقى " كان قد رحل عنا قبل أن يضيف سطراً عن " الرقص على طبول مصرية " التى صور فيها " حجازى " أحداث 1973 العظيمة
إن " فؤاد حجازى " فى هذه الرواية يقدم ألوانا من روعة الأداء الفنى و الفكرى " التى تسحر النفوس و تملؤها إعجاباً ، بما وفق إليه من جمال الوصف و دقته "
انتهت
** المصادر و الهوامش
1) جان بو سارتر – نظرية فى الانفعالات – الهيئة المصرية العام للكتاب – 2001 م
2) محمود امين العالم ، تأملات فى مفهوم المقاومة ، كتابات نقدية عدد 55 و البحث قدم فى مؤتمر أدباء مصر فى الاقاليم سبتمبر 1996 م
3) تيودور أدورنو : وضعية السارد فى الرواية المعاصرة ( مجلة فصول ) العدد 96 يوليو 2001