جاءتني متسللة عبر زجاج النافذة المكسورة .. باردة جداً ومنتفضة ، ترسل إلىَّ بأطرافها فاشيح بوجهي عنها .. تتدلل تحيط بى ، صفعني صوتها . . ــــ ممن تهرب ؟
ولا أستطيع .. ـــ لن تفر .. لن تفر .. تردد الصوت فى جنبات المكان بينما جذبت جسدى إلى زاوية من الحجرة .. أقبلها وهى تزهو بملامحها البشعة ، وإحتلالها لكل مساحة من الفراغ ، أغرقت الرأس فى هوة مظلمة بين ذراعي .. أطل منها الحلم شاحباً: ـــ تحبني ؟ .....ـــ هل ستبقى كثيراً هكذا ؟ .. قلها ( تضاحكنا .. وساد صمت لفترة ) .
محوطاً بالجدران المرهقة .. كادت تهزمني.. قاومتها أفلتت ، نهضت محاولاً الخروج .. منعتني تجمعت من النافذة ، والشقوق .. مما بين الحائط والباب .. عظامي نفذت إلى أعماقي .. سرت فى شريان الدم .. اندفعت معه إلى حيث الحلم ينسحب .. يجر خلفه مرارة الواقع .
ـــ سنتقابل غداً .. أليس كذلك ؟ قالتها فى قلق .. وبمثله نطقت :
ـــ آه ـــ ما بكَ ؟ ـــ لا شىء ـــ تكذب ـــ لا تشغلي بالك ـــ صارحني ـــ فقط .............( سئمت ) .
ارتسمت على وجهها خطوط الدهشة اتسعت عيناها : منى ؟ مضغت إبتسامة يأس .. هززت رأسي يميناً ويساراً .فى تودد رجتني :
ـــ ابق قليلاً . أردت أن أفعل .. طاردني شبح الهزيمة .. انتزعني منها .. ابتعدت ، نادت : سأنتظرك .. غصت فى بحر الرؤوس والأحجار ، والحديد ، انحدرت على ذات الطريق العفن .. هبط الدرج الهارب من الضوء .. دفعت الباب .. داعبتني أشعة خافتة .. متكوماً فى ركن الحجرة الرطب .. حين توغل الليل هاجمتني مرة أخرى .. باردة جداً .. حاولت تثبيت أوراق ( الكارتون ) التى سقطت .. فى فراغ الزجاج المهشم ـــ لم يمنعها ذلك : ( صبية الحى الملاعين لا يتركون شيئاً فى مكانه ).. ( سأريهم ) .. مرتجفاً سحبت كل الأغطية .. سددت بها كل الثقوب والفتحات : ( لن أدعها تفعل ما تريد هذه المرة ) بقى جزء من النافذة دون غطاء .. خلعت الجلباب .. قذفته به .. نامت ناوشتها .. نفثت زفيراً ساخناً فى قبضة يدى المضمومتين على فمى .. اغتاظت .. ضحكت .. احتدت ثورتها أنفجرت ضاحكاً ، ومع الدفء الذى بدأ يملؤنى أحسستها ترحل .. من ثقب الباب . فوق السرير .. هادئاً قبلت الصورة التى تركتها حبيبتى حين تقابلنا منذ سنوات مضت .. ودعتها فى نشوة المنتصر أطحت بها بعيداً .. وكدت أن ابكى .