كنت محشوراً بين الأجساد المتلاحمة فى الأتوبيس المتجه إلى العمل .
قبضت بيدى اليمنى على عامود الحديد المتدلي من السقف فعاد لنفسي شيئاً من التوازن .
شددت كفى اليسري المعروقة على يد حقيبتى. كأننى أتاكد أنها مازالت معى . عبثاً أحاول أن أتحرك كأننى مقيد بأصفاد من أخمص قدمى حتى قمة رأسى .
الأتوبيس يسير فى بطء كأنه ينوء بحمله الثقيل .
اختلطت الأنفاس المحمومة بدخان السجائر وبرائحة العرق، فتلوث الهواء .
وأصابنى بالتقزز .
رحت ألتقط أنفاسى بصعوبة. تمنيت أن ُيسرع الزمن فى خطاه فأجد نفسى جالساً على مقعدي في العمل .
أحسست بحركة من ورائي اختل على إثرها، توازنى ،فتشبثت بكل قوتى بالعامود الحديدي .
بجهد شديد أدرت رأسى
والألفاظ الغاضبة تتصارع فى حلقى .
ولكن غضبى المتأجج قد خمد تماماً .
وأنا أحملق فيها مبهوراً بجمالها الخلاب فى عمر الورد ،هى ذات شعر أصفر كأنه جدائل من الذهب البراق الأصيل . ابتسمت و هى تعتذر ثم صوبت إلىَّ نظرات ثاقبة من عينيها السوادويين الواسعتين فلمحت بريقاً غامضاً.
التصقت لى أكثر و أكثر، تسلل عبيرها الأنثوى الطاغى إلى نفسى فأسكرها. أحسست بنهديها الممتلئتين يخترقان قميصى الرقيق و ينغرسان فى ظهرى .
سرى فى كيانى تيار جارف من النشوة .
رحت أهيم فى دنيا الأمل
والأحلام الوردية أتحسر على السنوات اليابسة من عمرى الباهت .
غبت عما حولى لحظاتِِ لا أدرى كم طالت ،حتى شعرت بها تنتزع جسدها الساحر منى ،ثم تغمز لى بعينيها غمزة أتت على البقية الباقية من صوابى .
ثم ذابت وسط الزحام لملمت نفسى و أطحت ببقايا التردد . أسرعت كالمجنون أشق الزحام لا أكترث بالأقدام التى أدوس عليها ،ولا أعبأ بالهمهمات الساخطة علىَّ.
وفجأة رأيت الكمساري بجسده الضخم يسد على الطريق ،و هو ينقر على صندوق التذاكر. زفرت فى غيظ شديد و بكل اللهفة رحت أدس يدي فى جيب بنطلونى لأعطيه ثمن التذكرة .
أرتعد قلبى
والأوتوبيس يتوقف . تسارعت دقات الفزع فى صدرى .
يا للهول سقطت الحقيبة من يدى دون أن أدري .
رحت أفتش فى جيوبي كلها .
صرخت ذهولاً والكمساري ينظر إلىَّ فى لا مبالاة .
لقد ُسرقت نقودى .
والأوتوبيس يتحرك .
،ثم ينطلق
أدركت أن صاحبةَ الشعر الأصفر هي من كانت وراء سرقتي