كان يسكن شمال الجزيرة العربية ومنتصفها منذ ألف عام قبل الميلاد ، رحل هم دون ريب أجداد من أسموهم ( عربى ) على ما ورد فى وثائق آشورية فى القرن الثامن قبل الميلاد ، عاش فيها البدوى حياة قاسية مضطربة فى مسالك قفرة و صحراء شاسعة تنازعوا فيها على الكلأ و الماء و نطقوا بالشعر ( غناء و فخراً و شجاعة و رثاء و هجاء ) و قد جاء فى لسان العرب لابن منظور عن معنى كلمة هجاء فقال : هجاه – يهجوه – هجواً أى شتمه بالشعر ، و الهجو الوقيعة بالأشعار فكان شاعرهم خطيب القبيلة و المدافع عنها على منابر الهجاء و غيرها من ملامحم و بطولات و أشهر قصائدهم فى ذلك المعلقات ( السبع الطوال ) ومن الشعراء الذين اشتهروا بالهجاء {{ الحطيئة و أصحاب النقائض }} جرير و الأخطل و الفرزدق بالإضافة إلى بشار و دعبل و طرفة فقد وصلوا فى هجائهم إلى الملوك و الأمراء فكانت لهم النهاية فى أبشع صور الهلاك .
اولاً : :: طرفة بن العبد ، البكرى
ظلم عشيرته .
شاعر جاهلى أدركه ظلم العشيرة فى أحياء بنى بكر و اسمه عمرو بن العبد و لقبه طرفة لقوله هذا البيت ::
لا تعجلا بالبكاء اليوم مطرفاً ** و لا أمير كما بالدار إذ وقفا .
وكانت حياته مأساة منذ أصابه اليتم ولد فى البحرين و كان والده غنياً فتقاسم أعمامه مال أبيه بدعوى إنصراف طرفه إلى اللهو و المجون مع أنهم مغمورون به كان العبد والد طرفة أخاً للمرقش الأصغر و ابن أخ للمرقشى الأكبر و كلاهما شاعر و خاله الشاعر المتلمس فما ترعرع طرفة حتى قال الشعر و ما شب حتى نبغ فيه ومن جميل قوله ::
و الظلم فرق بين حبى وائـل ** بكر تساميتها المنايا تغلب .
قد يبعث الأمر العظيم صغيره ** حتى تظل له الدماء تصيب .
ومن روائع الشعر عند طرفة معلقته و فيها ثورته على أعمامه و ظلم العشيرة له كما ظهرت ألوانه الشعرية و براعته و صوره الذاتية و حكمه الخالدة ومنها قوله ::
و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على النفس من وقع الحسام المهند
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهـلاً ** و يأتيــك بالأخبـار ما لا تـزود
عن المرء لا تسل و سل عن قرينه ** فكل قرين بالمقارن يقتـــــدي
أرى الدهر كنزاً ناقصاً كل ليلــة ** و ما تنقص الأيام و الدهر ينقـص
أرى قبـر نحـام قليـــل بماله ** كقـبر غـوي فى البطالة مفســد
الغلام القتيل :
أجمع الرواة أنه قتل على يد عمرو بن هند ملك الحيرة و ذلك أن طرفة خرج مع خاله المتلمس إلى بلاط الملك عمرو بن هند و عاشا فى رخاء و كرم و حدث أن رأى طرفة أخت الملك فقال فيها شعراً غاظ أخيها و فى اليوم الثانى نقلهما عمرو بن هند إلى بلاط أخيه قابوس ، فاختلفت الحياة عنده و لم يستطيعا الوصول إليه فهجاه طرفة مع أخيه الملك فى بيتين من الشعر .
و لما سمع الملك كظم غيظه حتى سنحت الفرصة فأرسلهما إلى عامله فى البحرين [ ربيعه بن الحرث ]أمره بقتلهما و لكن المتلمس شعر بالخطر و عرف الغدر ففر هارباً إلى الشام و ضرب المثل بصحيفته فيقل( أشأم من صحيفة المتلمس ) أما طرفة فتابع إلى البحرين و لكن عاملها لم يقتله و أعلم الملك بذلك فأرسل عمرو بن هند عاملاً آخر اسمه (( معضد بن عمرو )) فقتل العامل السابق و أثنى عليه بطرفة فقتله و اختلفت الروايات فى قتله فقالوا :
اولاً : أفصد الأكحل و هو سكران .
ثانياً : قطعت رجليه و يديه و دفن حياً و قالوا صلب .
فرثته أخته الخرنق بأبيات منها ::
عددنا له ستاً و عشرين حجة ** فلما توفاها استوى سيداً ضخماً
فجعلنــــا لما رجونا أيابه ** على خير حال لا وليداً و لا قحما
ذلك الغلام القتيل طرفة بن العبد ابن العشرين .
ثانيـاً :: مصرع المرء بن فكيه
بشار بن برد :
من 96 هــ - حتى 168 هــ
بشار بن برد من مخضرمى الدولتين الأموية و العباسية كنيته أبا معاذ و يلقب بالمرعث لرعثات كانت فى أذنه و هو من طبقات المحدثين بإجماع الرواة ورئاسته عليهم فقد كان لبشار قريحة سمحة و عقل نير و خيال يأتى بالصور الطريفة من الواقع بالإضافة إلى متانة لغته و سعتها و غناها و إذا أنشد صفق بيديه و تنحنح و بصق فكان يأتى بالعجب .
كان بشار شعوبياً يكره العرب و يمدح الفرس و عندما يرى الغلبة ينتسب للعرب و يفتخر بولائه لعقيل بقوله :
أننى من بنى عقيل بن كعب ** موضع السيف من طلى الأعناق
و قال الأصمعى : ( كان بشار من أشد الناس تبرماً بالناس )
و قالوا كان بشار : جباناً رعديداً جشعاً نهماً شهوانياً فاحشاً ماجناً مستهتراً أفسد بغزله نساء البصرة و شبانها فهذا مالك بن دينار يقول فيه : ( ما شئ أدعى أهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى )
و قال واصل بن عطاء فيه إن من أخدع حبائل الشيطان و اغواها لكلمات هذا الأعمى له ألست القائل :
فى حلتى جسم فتى ناحل ** لو هبت الريح به طاحا
قال بشار نعم ، قال الرجل :
لو بعث الله الريح التى أهلك بها الأمم الخالية ما حركتك من مكانك فبهت بشار و لم يقل شيئاً
و كان بشار مداحاً مستجدياً فهو يقول لخالد بن برمك :
فإن تعطينى أفرغ عليك مدائحى ** و إن تأب لم يضرب على سداد
ركابى على حرف و قلبى مشيع ** و مالى بأرض الباخلين بــلاد
و عن بخله قالوا أراد أبو الشمقمق أن ينال منه دراهماً فقال له يا أبا معاذ مررت بصبية ينشدون هذا البيت :
إن بشار بن برد ** تيس أعمى فى سفينه .
فأخرج بشار مائتى درهم و قال خذها و لا تكن راوية الصبيان يا أبا الشمقمق .
هلاك بشار:
هجا بشار عظام الدولة العباسية و أشراف الناس والخليفة المهدى ووزير ابن أبى داؤد فقد وضعهما بين الغناء و الطرب فهو يقول :
بنى أمية هبوا طال نومكـــم ** إن الخليفة يعقوب بن داؤد
ضاعت حلافتكم ياقوم فانتبهوا ** خليفة الله بين الذق والعود .
ويقال أن بشارا " هجا " المهدى بأبيات يشمئزالقلم من نقل عباراتها فبلغ الخبر المهدى فكاد أن ينشق غيظا من بشار فأمر بإحضاره وكان فى حراقه وأمر بأن يضرب سبعين سوطاً فضرب حتى شارف على الموت وألقى فى سفينة حتى مات فجاء بعض أهله فحملوه إلىالبصرة ودفن فيها وقد فرح الناس بموته وهنأ بعضهم بعضاً وقيل فى خبر موته أنه أذن وهو سكران فضربه المهدى حتى أتلفه ومن هجائه لصالح بن داؤد أخى يعقوب الوزير:
هم حملوا فوق المنابرصالحاً ** أخاك فضجت من أخيك المنابر
وقد وصف الدكتور ( طه حسين ) فى حديث الأربعاء شعر بشار بالكذب ونفىعنه صدق العاطفة وقال أبو هاشم
الباهلى يهجو بشار وحماد عجرد:
قد تتبع الأعمى قفا عجـرد ** فأصبحنا جارين فى دار
قالت بقاع الأرض لا مرحبا ** بروح حماد وبشـــار
صارا جميعا فى يدى مالك ** فى النار والكفار فى النار
ومما يدل علي كفر قوله :
إبليس خير من أبيكــم آدم ** فتنبهوا يامعشر الفجـــار
إبليس من نار و آدم طينـة ** و النار معبودة مذ كانت النار
و كثيراً ما كان بشار يبرر أعماله و مواقفه بقوله (( ليس على الأعمى حرج )) و لكنه نسى المثل العربى ( مصرع المرء بين فكيه )
انتهت
الهوامش :
1 – ديوان بشار بن برد – جمع و تحقيق الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – تونس 1976 م – ص 17 0
2- سيدة إسماعيل كاشف : مصادر التاريخ الإسلامى و مناهج البحث فيه ، الطبعة الثانية 1976 م – ص 12 .
3- تجربة الشعر العربية للدكتور صلاح فضل – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002 م .
4- تاريخ الأدب العربى للدكتور بلاشير و تاريخ الأدب العربى لحنا فاخورى .
5- سلسلة الروائع ط 6 لعام 1986م بيروت بعنوان المعلقتان طرفة بن العبد و لبيد بن ربيعة .
6 – انظر كتاب بشار بن برد تأليف عبد القادر المازنى
7 – انظر كتاب رحلة الشعر من الأموى للعباسى للدكتور مصطفى الشكعة ببيروت 1971 م .