ما هي أول كلمة يمكن كتابتها على ورقة بعد هجر طويل؟ تماماً ككلمة أولى تقولها لحبيب مضى زمنٌ بينكما، وحياةٌ وموت، وكأول لقاء مع أمك بعد غربة مرة.
هل أعتذر؟ أيجب أن أعتذر؟
الحقيقة أني بحاجة أي حرف يجعلني أقرب، ويعيدني إلى الكون الذي خلقت منه..
عدت بتعابير بسيطة، ليست زوادة محترفين، بقدر ما هي طوافة إنقاذي من الغرق في ذلك العالم.
العالم الذي يستهلك كل شيء، ويُنسي الأسباب ويعمي عن النتائج، المجنون المسعور الذي لا يكف عن الركض هاذياً بواجبات متزايدة ومتطلبات قد لا تعنيك بالحقيقة لكنك مقتنع بشكل أو بآخر أنك تحتاجها.
قد لا تعي في اللحظة ذاتها ماذا فقدت، أو لم أنت تتألم، إلا أنك في لحظة وعي متاخرة ستدرك أنك فقدت نفسك، وذلك الألم قادم من أعماق روحك.
لا يمرض الإنسان عندما يتعطل عضو في جسده أو يصاب، بل عندما تتعب روحه، ويبدأ يفقد طابعها في حياته، ويصبح مستنسخاً كملايين البشر في هذا العالم، يسوقهم شيء لا يدركون كنهه، يعميهم، ويكبلهم فيفعلون أشياء لا تشبههم، لكنها تشبه الجمع المساق، وتشعرهم برضا مؤقت ـأو هكذا يظنون- وبعض ظنهم إثم، وربما كل ما يصنعونه وهم مغيّبو الفكر والقلب والروح، إثم بإثم.
عالم يجعلك تتذكر مؤقتاً، وتفرح مؤقتاً، وتتعاطف مؤقتاً، وتعجب مؤقتاً، وتهتم مؤقتاً، وتسلّع مشاعرك دون أن تدري؛ لتستوعب في آخر المطاف - إن صح لك وقت لمراجعة نفسك - أنك تائه في دوامة، وكل شيء مؤقت مضى إنما أخذ شيئاً من عمرك ووقتك واهتمامك وحياتك، وأخذ منك لمعاناً لصيقاً بالروح، فذهب طابع روحك عنك، وتحولت آلة.