كانت تجلس في المساء كعادتها، تستند بخدّها إلى راحتها، تحدّق في شاشة صغيرة تُطلّ منها على عالمٍ لا يُشبهها.
يضيء القمر خلف النافذة، يمرّ ضوؤه على وجهها كما تمرّ الذاكرة على قلبٍ أنهكه الانتظار.
تفكر فيه
— ذلك الذي صار جزءًا من يومها
— الحاضرُ دومًا في غيابه، القريبُ دائمًا من بُعده.
كانت تراقب كلماته كما يراقب الغريق أنفاسه الأخيرة، تتفحّص سكونه، وتعيد قراءة كل رسالة كأنها نصٌّ مقدّس يحمل نبوءتها الخاصة.
بين السطور، كانت تبحث عن صدقٍ يبرر هذا الاضطرام، أو عن وهمٍ يمكن أن تصدّقه لتنجو من فراغها.
رأته يومًا يبتسم لامرأة أخرى، تراقصه في بثٍّ عابر، فتجمّدت روحها في مكانها.
لم تكن تجيد الرقص؛ كانت ترقص فقط أمام مرآتها حين تخلو بنفسها، تُجيد الانسحاب إلى الداخل لا إلى الضوء، وكان جمهورها الوحيد قطة رمادية، هذا حشد كبير ، القطط لها سبعة أرواح ،
شيئًا فشيئًا، صار حضورُه وجعًا متكرّرًا، وصار قلبُها ملعبًا للظنون والأسئلة.
هل يحبّها حقًّا؟ أم أنّها واحدة من آلاف الوجوه التي يمرّ عليها كما يمرّ العابرون على شاشاتٍ زرقاء بلا أثر؟
في تلك الليلة، أطفأت الضوء، تركت القمر وحيدًا خلف الزجاج، وأدركت أن ما جمع بينهما لم يكن حبًّا، بل انعكاسًا باهتًا لاحتياجٍ قديم.
كل ما كان بينهما الرسائل، النبضات، اللهفة لم يتجاوز حدود الشاشة.
بكت طويلًا، لا على فقده، بل على نفسها التي صدّقت وهْمًا له ملامح رجل وصوت دفء.
وفي آخر الليل، حين غفت على وسادتها المبلّلة بالدمع، خطر لها أنّ أجمل ما في هذا الحبّ الافتراضي... أنه انتهى قبل أن يبدأ.









































