كنتُ في التاسعة حينما أَوكلت لي مُربية الفصل إجراء مقابلة صحافية مع إحدى أمهات الشهداء آنذاك، لم تسعني الدنيا من الفرحة، فها أنا سأتساوى في المسمى الوظيفي المُختلق مع شيرين أبو عاقلة وجيڤارا البُديري!
رحتُ أتفرسُ وقفتيهما، ملامحهما أثناء محاورتهما الطرف الآخر، وأتقمصُ شخصيتيهما بشيء من الحرفية، تحرّقتُ للقاء وكأنه يوم تتويجي ملكة على إحدى الممالك الحرة، وجاء يوم اللقاء ووقفت في حضرة أم الشهيد، أُسقط عليها وابل الأسئلة، وتُقدم لي الإجابات مبتلةً بالدموع، أنا أغرق في تفاصيل الشخصية، وهي تغرق في بحرٍ من الظلمات! إلى أن سألتها بثقةٍ لا أعلم من أين حصلت عليها وقتها: ما هو شعورك حين تلقيت خبر شهادته؟!
صمتت بُرهةً ليست بالقليلة تلوكُ فيها ملح عينيها، وبعد تنهيدةٍ قالت: لم تستطع ركبتاي حملي!! ابتلعت غصّة السؤال وانتشيتُ أنا بالإجابة الأخيرة للسؤال الأخير وبتصفيقٍ حار انتهى اللقاء، وبكأس عصير مثلج قدمته مديرة المدرسة لأم الشهيد ل ( يبل ريقها)، مسكينة المديرة مثلي تظن أن كأسها ذاك سوف يروي حلقاً قد تحجّر!
أتذكر ذلك الموقف اليوم وأبكي على حماقة الأسئلة المنهكة لأمٍ قد قُدَّ قلبها، وأضحك على سذاجتي الطفولية التي جعلتني أبني حلمي على جرح راعف لن يبرأ يوماً، كمن يبنون أملاكاً ودولاً على نحر رقابنا اليوم!