تصطف بكارجُ القهوةِ السادة في زاوية المنزل الأمامية، تقومُ سيّدة خمسينية متشحةً بالسواد بحملِ صينيةٍ نحاسية عليها فيضٌ من الفناجين المستديرة، بينما تسبقها فتاة غضّة بصحنٍ مرصوصٍ بالتمر، الأولى تُقدم القهوة لضيوفٍ مضطري الزيارة لتقديم واجبهم والثانية تنحني لهم تباعاً بصحنها علّ تمرةً قُرأت عليها الفاتحة أن تشفع للمرحوم...
تجلسُ بينَ حماتها السابقة ووالدتها، لا تستطيع أن تنبسَ ببنت شفة، ترمي لها حماتها من وراء أذن أنها قد أصبحت الآن حرة طليقة فالذي كانت تشتكي منه قد ذهب إلى ربه، وترمي لها أمها من الناحية الأخرى أنها الآن عُرضة لأي جائحة أو شبهة فعليها الاحتراس، تعاود حماتها نكزنا مهددة أنها لو تزوجت فستتخلى عن الطفلين، تقرصها أمها مباشرة أنّ من حقها الزواج ثانية أرحم من كلام الناس ونظراتهم الملغومة...
تحاول الوقوف فيسحبنها من كلتا يديها؛ فتجلسُ ثانية، تبكي كثيراً وتشهقُ كثيراً، لطالما تعذبت في حياتها معه، لكن على ما يبدو أن وجوده كان جنة مقابل ما ستواجه من بعده، عندما جاءها نبؤه سقطت دمعاتُ العشرة ممزوجة بدموع الفرح والخلاص من سخطه وجبروته، يعلو نحيبها فتشدد أمها من أزرها وتهمسُ بأن تواصل فورثه الثمين يستحق عناء البكاء، تجهش بالبكاء أكثر فتسخر حماتها من وراء حجاب أن يا ليته رأى لوعتك عليه هكذا قبل وفاته، يا حسرتاه عليك أينما ذهبت، تنظرُ يميناً فتلحظ النسوة يشربن قهوتهن ويلمزنها بحركاتٍ مريعة، تزيح بصرها يساراً لتلمح من يتغامزن ويهمسن لبعضهن ثم يختلسن النظر إليها ويعدن لنميمةٍ على جيفةٍ شهية!
ترفع بصرها نحو السماء، تشهق جاحظةً عيناها وتسقطُ أرضاً دون حِراك، صراخٌ وعويلٌ في الخلفية وفناجينٌ قد اسودّت وفي قعرها بقايا عزاء...