مع التقدّم التكنولوجي المتسارع في السنوات الأخيرة، ابتهجنا بما جلبته لنا التطبيقات البنكية وخدمات الاتصالات الرقمية من سهولة وراحة في إدارة شؤوننا المالية والتواصل. لكن، وللأسف، لم تكتمل هذه الفرحة؛ فقد ظهرت على السطح شبكات إجرامية تستغل هذا التطوّر في تنفيذ عمليات احتيال باحترافية عالية، يصعب أحيانًا كشفها.
في السابق، كانت أساليب الاحتيال أبسط؛ يتواصل المحتال عبر اتصال هاتفي، ويُقنع ضحيته بتحويل مبلغ مالي، أو إدخال رمز معين بحجة أنه سيستلم حوالة مالية. وقد سقط كثيرون ضحايا لهذه الحيل، خاصة في ظل ضعف الوعي الرقمي لدى البعض.
لكن، ومع الوقت، نشطت مجموعات تطوعية في التوعية بمخاطر هذه العمليات، مما ساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي وتقليل فرص وقوع الناس ضحايا لتلك الأساليب القديمة.
اليوم، تطورت طرق الاحتيال، وظهرت مجموعات أكثر تنظيمًا تمارس الجريمة بذكاء وتخطيط متقن، مستخدمة تطبيقات التواصل والاتصالات المصرفية الحديثة كأدوات رئيسية.
وقد تعرّضتُ شخصيًا لمحاولة احتيال حديثة، ولولا الحذر والتنبه، لكنت وقعت ضحية مثل كثيرين غيري. بدأت القصة عندما تواصل معي شخص عبر الهاتف، وعرّف نفسه بأنه موظف في فرع بنك الخرطوم الرئيسي، وأخبرني بأن هناك منحة مالية باسمي، ويحتاج إلى بعض البيانات لتأكيد تسجيلي فيها. بدافع الثقة، زوّدته بالمعلومات التي طلبها.
لاحقًا، أجرى معي مكالمة صوتية عبر واتساب، ثم مكالمة فيديو أخفى فيها وجهه عمدًا، مما أثار شكوكي. وواصل الحديث بطريقة واثقة، وطلب مني ألا أُغلق الخط، ثم وجّهني لفتح خيار "التحويلات الأجنبية" في التطبيق البنكي. أخبرته بأن هذه الميزة غير مفعّلة لدي، فقال لي: "اذهب إلى خيار (أمام بنكك باي)"، ثم طلب إدخال 6 أرقام: 181817، بعدها ظهر اسم حساب شخص آخر، وطلب مني إدخال رقم 999999.
لحسن الحظ، لم يكن في حسابي أي رصيد، وعند إدخال الرقم، ظهرت رسالة تفيد بعدم كفاية الرصيد. عندها تأكدت بشكل قاطع أنني كنت على وشك الوقوع في فخ احتيالي متقن.
هذه الحادثة كشفت لي مستوى التطور الذي وصل إليه المحتالون، وكيف يستدرجون الضحايا بأساليب تمويه محكمة. إنها ليست مجرد عمليات عشوائية، بل جرائم منظمة تستهدف الناس في لحظة غفلة.
رسالتي من هذه التجربة: الحذر ثم الحذر. لا تُعطِ معلوماتك الشخصية أو البنكية لأي شخص، حتى لو بدا حديثه رسميًا. تأكد دائمًا من هوية المتصل، وكن على يقين بأن أي جهة رسمية لن تطلب منك رموزًا أو أرقامًا بهذا الشكل عبر الهاتف أو التطبيقات.
كما أُناشد الجميع بالمساهمة في نشر التوعية، وكشف مثل هذه الأساليب، حتى نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا من هذا النوع الجديد من الاحتيال الرقمي.