لم أرَ جمالًا كهذا في اجتماعياتنا، بل ولا في العالم كله.
منذ اللحظة الأولى التي التقت فيها عيناي بعينيك، شعرت وكأنني أستيقظ من غيبوبة طويلة. كانت نظرتك أشبه بنداء حياة؛ كنافذة أشرقت منها شمس جديدة على روحي. اهتز داخلي، واشتعلت مشاعري، وتوهجت أسئلتي في صمتٍ عميق:
ما هذا السحر الذي يسكنك؟ أيمكن أن تكوني ابنة هذا الحي، من هذه الأرض، من هذه البيئة البسيطة، ومع ذلك تحملين بين ملامحك ما يعجز العالم كله عن تقديمه؟ أم أنني لا أزال أعيش غيبوبة أخرى لم يُكتب لي الخروج منها بعد؟
كلما تذكرت تلك اللحظة الأولى، عادت إلى مسامعي همسات الصديقة التي كانت تراقبني من بعيد: "لا تعبث بالوقت. امضِ نحوها ولا تتردد. أسقط عليها أسئلتك وإجاباتك، لا تخف من بوحك، فالمشاعر لا تُخفى، والقلوب لا تُخدع. ما يرسله قلبك يصل دائمًا، لكن الجرأة في الطريق هي التي تحدد المصير".
كانت كلماتها بمثابة دفعة نحو الحقيقة. حينها أدركت أنني لم أكن أقف عند حافة إعجاب عابر، بل على أعتاب قدرٍ عظيم.
لقد وجدت نفسي كمهندس معماري يرسم تصاميمه الأولى، يحدد الزوايا، يضع الخطوط، ويشيّد البناء حجرًا فوق حجر. كنت أرى فيكِ الأساس المتين لحياتي، وأدرك أنني إن بنيت على حضورك، فإن البنيان سيظل قائمًا مهما عصفت به الرياح.
أما داخلي، فكان يلهج بسؤال متكرر: كيف يمكن أن تتلاحم قلوبنا، أن تتعانق أرواحنا، أن نصير شيئًا واحدًا يتنفس بذات الصدر ويشعر بذات النبض؟ كل تفكيري كان منصبًا على أن يكون المستقبل مشتركًا، أن نصنع معًا حياة لا يحدها زمان ولا مكان.
أيقنت أن اللقاء بك لم يكن مصادفة. لم يكن عابرًا ولا لحظة عابرة في زحام الأيام. كان كأنما اصطفاني القدر لألتقيك، وكأنما خُلقنا معًا على هيئة روحين في جسدين، ثم أعادنا الزمان لنعثر على بعضنا. أنتِ لم تكوني مجرد امرأة عابرة في حياتي، بل صرتِ الغاية والوسيلة، البداية والنهاية.
هذه رسالتي إليك، رسالة في بريد قلبك.
أعلم أن الإشارة لم تصل بعد، وأدرك أن ردك لم يأتِ، لكنني لا أتعجل. ففي حلاوة الانتظار متعة خاصة، وفي الصبر حكمة عميقة. لقد تعلمت أن الحب الحق ليس له توقيت، فهو يأتي في اللحظة التي يختارها القدر، ويُفتح بابه حين تتهيأ الروح.
أنا هنا، واقف على بوابة قلبك، أحمل بين يديّ كل ما أملك من صدقٍ وعاطفة. أنتظر أن تضيئي لي الطريق بإشارتك، أن تمنحيني كلمة تختصر المسافة بيننا. وحتى يحين ذلك الموعد، سأظل أنتظرك، واثقًا أن الانتظار من أجلك ليس ضياعًا، بل حياة.
فليشهد الزمان أنني أحببتك من أول نظرة، ومن أول ومضة شعرت بها روحي حين التقتك. وليشهد العالم أنني كتبت إليك رسالة، وضعتها في بريد قلبك، وأيقنت أنها ستصل… ولو بعد حين.