كنت أقف على هامش الحياة، لا أرى في الأفق سوى ضباب العزلة. الناس يمرّون بي كأنني شبحٌ عالق بين زمنين، لا يُرى، ولا يُسأل عن حاله.
كنت أُحادث ذاتي بهمسٍ خافت، أهرب من واقعي إلى داخلي، حيث صحراء التيه والضلال تمتد بلا نهاية. في لحظة ضعف، دفعتني خطواتي نحو النادي، ذاك المكان الذي ظننت أنه واحة للنسيان.
هناك، بدا كل شيء مصممًا كي يُقنعك بأن الحياة بخير: موسيقى ناعمة، ضوءٌ خافت، ووجوه تبتسم دون سبب. يدخل الزائر مثقلًا بهمومه، ويخرج منها خفيفًا كأنه تخلّص من جلده. لكن... أي جلد؟
في أول زيارة، استقبلتني فتاة جميلة، تبتسم وكأنها تعرفني، وفي يدها وردة. شعرتُ، للحظة، أن هذا العالم خلق لأجلي، أنني لست منبوذًا كما اعتقدت. لكن شيئًا في الداخل كان يصرخ: هذا ليس لك. هذه الابتسامة ليست لك. هذه الوردة ليست لك.
أدركت أنهن جميعًا يؤدين دورًا مُتقنًا، لا لشيء إلا لجذب المزيد من الزبائن. وأن هذه "الرفاهية" ما هي إلا قناعٌ أنيق لواقعٍ يبتلع القادمين إليه في صمت.
عدتُ إلى النادي مرة تلو أخرى، أتوهم أنني أفرّغ أوجاعي، بينما كنت في الحقيقة أملأ عمري بالخسارات. ساعة هنا لم تكن للراحة، بل للتيه. خصمٌ مباشر من عمري، ومن صورتي في أعين الآخرين، ومن اتزاني الداخلي الذي كان يتآكل دون أن أشعر.
لم يكن المال هدفي، بل مجرد وسيلة أشتري بها ذلك الوهم ساعةً كل يوم. أما ما تبقى من يومي، وعمري، وكرامتي... فلا يهم.
اليوم، أنظر إلى الوراء فلا أرى سوى خطوات مبللة بالخجل، وأتساءل: كيف استطعت أن أعيش كل ذلك، دون أن أشعر أنني أغرق؟
قد أكون أخطأت الطريق، لكنني لست وحدي في هذا. فسلامٌ على كل من يكدح ليعيش، وسلامٌ على عاملات اليوميات، وعلى كل امرأة تقف على قدميها من أجل الرزق، لا من أجل الوجوه العابرة.