في كل يومٍ يمر، أزداد يقينًا أنك لم تكن يومًا تبحث عن خير هذه الأسرة. لست أدري، هل كنت دائمًا هكذا؟ أم أن شيئًا ما انكسر فيك ونحن لا نعلم؟ نحن الذين نشأنا على المبادئ، لم نكن مثاليين، لكننا حملنا وصايا من سبقونا في القلب: أن نحافظ على بعضنا، وأن يبقى البيت بيتًا، لا جبهة حرب.
كنا نركض خلف لقمة العيش ونحمل أوجاعنا في الصمت، لكننا نعود كل مساء إلى دفء هذا البيت، إلى وجه أمّنا الذي لا يزال يحتفظ بنور الصبر رغم التجاعيد. أما أنت، فما عدت تعود إلا ومعك شرر يشتعل، كلمات كالسكاكين، وأحاديث لا تحتملها القلوب التي تعبت من كل شيء.
هل نسيت أن والدتنا امرأة أنهكها المرض؟ هل غاب عنك أن قلبها الضعيف لم يعد يحتمل خصامًا آخر؟ إن كنت لا تعبأ بنا، فكن رحيمًا بها. هي لا تستحق هذا. لا تجعل من كبريائك عبئًا على قلبها.
أبي، الذي رحل ولم يترك لنا كنوزًا، أورثنا ما هو أنبل من المال: أوصانا ببعضنا، أوصانا أن نبقى متماسكين، حتى لو اختلفنا. ترك لنا روحه، وكلماته، ومحبته التي كانت تجمعنا حوله. أما اليوم، فها نحن نتهاوى كأعمدة خُلِعت من أساسها، وسبب ذلك أنت.
افعل ما شئت، انفصل عنا كما يحلو لك، لكن لا تلوّث هذا البيت بنزاعاتك. نحن لا نُجبرك على البقاء، لكننا نرفض أن تحوّل هذا المكان إلى صراع دائم. البيت مساحة راحة، لا أرض معركة. نحاول أن نترك همومنا على عتبة الباب، وأن نحمل بعضنا بقليل من الصبر، وأنت تأبى إلا أن تُشعل نارًا كلما همد الدخان.
لا تسألنا عن الحياد، ولا تطلب منّا الصمت، فمن يدافع عن الروح لا يمكن أن يكون محايدًا. لن أسمح لك أن تضعف والدتي أمام نيران غضبك، ولن أكون حاضرًا حين تُختنق دموعها بحججك الباردة.
توقف عن تمزيقنا، فإنك لا تنتصر بشق الصف. إن كنت تظن أنك المنتصر، فاعلم أن الوحدة لا تورث مجدًا، ولا الكبرياء يبني بيتًا. نحن لن نحبسك، ولن نرد عليك بكرهٍ يساوي ما تفعله، لكننا سنختار الحب، لأنه ما تبقى لنا من إرث أبيك.
صلة الرحم لا تموت، وإن قطعتها بيدك، ستبقى حبلًا ممدودًا من طرفنا، حتى لو أفلتّه. فنحن لا نعرف أن نعيش بقلوب مقفلة. لا نؤمن بالكرامة التي تنكسر بها الأسر، بل نؤمن بالقلوب التي إذا انكسرت، ضاعت معها المعاني.
الأسرة لا تُقاس بعدد الغرف، بل بمن يسكنها بالنية الطيبة. والبيت لا يضيق إلا حين يضيق الصدر، أما إن اتسع القلب، وسع الجميع. فإن لم تستطع أن تكون بلسمًا، لا تكن جرحًا.