وهبنا أعمارنا فداءً لوطنٍ ما بخلنا عليه بشيء. وقفنا في لحظات الشدّة نهتف للواجب، نلبّي نداء الفداء كلما نادى المنادي: نحن للعزّة والوطن فداء. لم تُرهبنا أصوات العساكر، ولم تقهرنا المواقف، بل كنا نشتد صلابة كلما اشتد الخطب، ونزداد إيمانًا كلما نظرنا في عيون الرفاق الشهداء، أولئك الذين سلكوا الدرب نفسه ولم يعودوا.
هنا، لا شيء يشبه الحياة…
هنا، الجرح مفتوح، والفوضى معلنة، والألم صريح.
هنا، الكلمات تفقد معناها حين تصير الشعارات ديكورًا لسطوة الجلادين.
وهنا، تُطيل اللحى لا تقوى، بل لتُزيّن موائد المتاجرين بقوت الفقراء، وشراب المشردين، ولباس اللاجئين.
تعلمنا أن نعيش، حتى وإن كانت الحياة تمضي بنا نحو موتٍ معلن.
نعرف أننا ذاهبون، لكننا لا نهاب الموت، لأن من نواجههم لا يحملون في قلوبهم رحمة، ولا في عقولهم ضميرًا.
نشأوا على القتل، وصار العنف طريقتهم في الفهم،
أما نحن، فمقيّدون ببروتوكولات لا نكسرها لأننا نحمل قلوبًا ما زالت تنبض بالإنسانية.
نحيا على حافة الموت، ونسأل أنفسنا:
لماذا نحن عالقون في هذا الظلام، بينما العالم الآخر يضيء دروب الوعي ويتقدم؟
في المجتمعات التي تشبّعت بالوعي الجمعي، تجاوز الناس عقدة الخوف، وخرجوا من شرنقة الماضي،
أما نحن فما زلنا نحمل النعوش على أكتافنا، ونسير بها في شوارع الكرامة.
نحن لا نطلب معجزة…
كل ما نريده وطن لا يُؤكل من أطرافه، وعدالة لا تُؤجَّل، وحياة لا تكون مدخلًا للموت.