إن الحديث عن الممارسة السياسية الراشدة في السودان يقتضيء البدء من نقطة الصدق والشفافية والأعتراف بما يعتري المؤسسات الحزبية من ضعفٍ بنويٍ وخللٍ في الأداء، فضلت التطرق لذكر الحقائق المتعلقة بطبيعة عمل المؤسسات الحزبية ليكون مقالًا تحليليًا يفيد الممارسة السياسية فلايمكن إصلاح هذه المؤسسات دون كشف عوراتها والوقوف سندًا لها ويفيدنا بوصفنا فاعلون في الشأن السياسي ومن الطبيعي لايمكن بناء ديمقراطية دون مواجهة أخطائها قبل أن نكون نُقاد وإن كان من الأرجح لعافية وديمومة الممارسة السياسية تقديم النقد البناء لها لتقويمها وتقييمها لتصب في مصلحة تحقيق القضايا التي من شأنها كونت تلك الأحزاب، ينبقي أن نسلط الضوء على واقع الدولة السودانية وتركيبة المجتمع السوداني والقيادة التي تعاقبت علي حكمها طيلة تلك الأعوام
العنوان هو اقتراح من أحد أصدقائي فضلت ألا أعدّل عليه حتّى لا يفهم هو أيضًا بوصفنا مع النخبة التي فضّلت التحيّز على القرارات.
مجتمعنا السوداني بتركيبته الاجتماعية المتعددة ثقافيًا وعرقيًا وإثنيًا ودينيًا وإن كان هذا شيء يحمد له لكنّه لم ينتج قوى سياسية حقيقية تلبي مصالحه وتحقق أهدافه في الحياة الكريمة والرخاء والعيش بسلام ووحدة وانسجام قوى تعمل وفق هذا التعدد وتدير هذا التعدد بمبدأ المواطنة والحقوق المتساوية وقبول الآخر لتكون لنا دولة نحترمها وتحترم رعاياها وأيضًا لم يحظى هذا الشعب بمؤسسة عسكرية راشدة تدافع عن الأرض والدستور والأمن والاستقرار في كل مدن وقرى وولايات السودان لكننا كما حكمنا بقيادات سياسية مدنية فاشلة وضعيفة الارادة والإدارة أيضا إبتلينا بمؤسسة عسكرية لم تلد سوى قيادات تناست ما أقسمت عليه عندما انضمت إلى هذه المؤسسة وكان جل ما يسعوا إليه هو الانخراط، المباشر في العملية السياسية (تداخل أدوار ووظائف) هذا بدوره ولّد صراع حول السلطة السياسية من 1956م ولم تخمد بعد فكان الشعب شاهدًا على فشل قياداته السياسية وطمع قيادات المؤسسة العسكرية في السلطة السياسية ونتاج ذلك انقلاب عسكرية فترات انتقالية انقلابات وانتخابات حتى جاءت ثورة ديسمبر بنهج جديد وإدارة جديدة على أمل أن تزرع الأمل في نفوس الشعب الذي فقد الكثير من أبناءه في سبيل دولة تحترم سيادته وتحترم إنسانية المجتمع السوداني وتحقق أهداف وتطلعات الشعب وتحافظ على وحدة السودان التي أصبحت مهددة وهناك من يتربص داخل وخارج السودان على وحدة السودانيين، واقع حكومة ثورة ديسمبر2028م شراكة بين المدنيين والمكون العسكري وإنقلب الأخير على السلطة فترك علامة فارغة في أذهان الشعب الذي أصبح يقضي وقته في النضال والمقاومة مقدمًا رتلٌ من الشهداء ومع تقدم واستمرار حكم الانقلاب العسكري من أكتوبر 2021 حتى جاءت حرب أبريل بواقع جديد وفض شراكة القوات المسلحة السودانية و قوات الدعم السريع التي أصبحت طرف أصيل مساند للقوات المسلحة لكنّ البكاء هنا لم يكون على تلك المؤسسة العسكرية الرسمية التي تمثل جيش الدولة السودانية والمجموعة العسكرية التي كونتها وأنشأتها مؤسسة الدولة لرؤى تدركها المؤسسة العسكرية هذا لن يقف عند حد انقسام هذه القوتين بل كتب تاريخ جديد للسودانيين وللسياسة السودانية قبل أن تتكشف حقيقة الأحزاب السياسية ودعمها لأحد الأطراف سبقها أبناء الشعب السوداني فهم أيضًا انقسموا إلى داعم ومساند للقوات المسلحة بهدف الدفاع عن الأرض والعرض والممتلكات وآخرون انضموا في صفوف معسكر الفوضى والذي كشفته الأيام فانخرطوا للقتال مع الدعم السريع وفي راي هذا لم يعد بدافع بناء الدولة التي يزعموا أنهم بصددها لكن الايام ان يدعي الديمقراطية لا يمكنه فعل ما فعلته ملايش الدعم السريع بمكونات المجتمع السوداني ومؤسسات الدولة الاستراتيجية، طبيعة الحرب وضعف العملية السياسية جعلت حلقة الصراع تدور بين طرفين وعلى الاحزاب ان تدعم أي من الأطراف وهذا كان واضح في المراحل الاولية للحرب فشاهدنا قوى الحرية التغيير التحالف السياسي المدني الحاكم في حكومة الفترة الانتقالية بتحالف مع قوات الدعم السريع لكن لاحقًا نفض وفض هذا التحالف ما يؤكد واقع جديد لمجريات الصراع وتحوله لصالح القوات المسلحة التي أظهرت ضعفًا سياسيًا وعسكريا في الفترة الأولى ومع ذلك نحن أمام تحدي حقيقي لمصير الممارسة السياسية الديمقراطية الراشدة هل ينطلي علينا أن نكون على هذا الحال إما داعمًا للمؤسسة العسكرية أو داعم للمليشيا وكلا الخيارات لا ينطبق على دعاة العملية السياسية الذي انضو تحت هذا المجال لخدمة الشعب وتحقيق مصالحه بشكل سياسي سلمي.
إذ انتهى الصراع بانتصار أحد الاطراف هذا يشكل تساؤلات عديدة وملحة تتعلق بمصير العملية السياسية هل تنجح الأحزاب في تشكيل فعل يعيد المؤسسة العسكرية (المنتصرة) إلى هدفها الأساسي حماية الدستور وحماية الأرض والحدود والدفاع عن سيادة الدولة وحفظ المواطنين وبالتالي خروجهم من العملية السياسية بشكل نهاي وبذل جهودهم في تطوير جيش الدولة بعقيدة قتالية محترفة ويصبح للسودان جيش وطني ومهني وتبقي هناك ما يمكن أن يلتف حوله الشعب أحزاب تصنع الفعل وتتطور الفعل الممكن لتدير الدولة يشكل ديمقراطي وتأسس لوضع يسود فيه العدالة، الاستقرار، التكاتف، التعايش، الترابط والتسامح الاجتماعي وإلا قد لا تخرج هذا القيادات السياسية التي قد تتماهى مع أيّ من طرفي النزاع وتصبح الكلمة للطرف العسكري الذي يقلب أمره ويسيطر على قيادات الاحزاب السياسية ويصبح السودان أمام مفترق طرق حاسم: فإما أن تتجدد الحياة السياسية بروحٍ جديدة تستلهم تضحيات الشعب وتعيد الاعتبار للمواطنة وإما أن نكتب فصل النهاية للأحزاب التي تماهت مع الدكتاتورية الناعمة حتى فقدت جمهورها وروحها فتغدو بلادنا دولة بلا أحزاب.. وأحزاب بلا جماهير كما حدث الان للحركة الشعبية التي انسحبت وخرجت معظم عضويتها عند انضماماها للتحالف السياسي الحاكم في دولة حكومة تأسيس الموازية لحكومة الدولة السودانية





































