يا جميلة،
لماذا لم تُصغي إليّ؟ أقولها لك بصدق، ما يدفعني للكلام ليس الخوف وحده، بل حرصي عليكِ، على حياتك التي لا تعوَّض. هذه الأرض التي تخطو عليها قد شربت من دماء الأبرياء حتى ارتوت، وهنا بالذات دفنتُ صديقًا عزيزًا، ودفنت معه جزءًا من قلبي، وهنا أيضًا سُحبت زميلة دراستي إلى مصيرٍ أسود لم أرَ في حياتي مثله.
أتعلمين من يحكم هذه الظلال؟ ليسوا سوى ذئاب بشرية، جماعات تتاجر بالبشر كما يتاجر البعض بالماشية، يقتاتون على خوف الناس، ويصنعون من الألم سلعة تُشترى وتُباع. من يقع في قبضتهم يُعذَّب حتى ينكسر، ثم يُساوم أهله على الفدية، ويُجبرون على الصمت كأن شيئًا لم يكن، بينما الجريمة تظل قائمة، تُعيد نفسها مرارًا وكأنها لعنة معلّقة في الهواء.
ربما ترين الأمر مبالغة، لكنني عشت هذا الكابوس مرارًا، وحملت آثاره في وجهي ويدي وذاكرتي. لذلك أرجوك… عودي معي. لا تدفعيني إلى الاتصال بوالدك، فهو يعرف جيدًا ماذا يعني أن تعيش هنا، وقد تذوق طعم النجاة بأعجوبة من قبل.
لم أكمل حديثي حتى اخترق أذني صراخٌ مفاجئ، كطعنة في صمت الغروب. كان صوتًا يطلب النجدة، صوتًا لا يحتمل التأجيل. نظرتُ إليها بعينين مضطربتين وقلت:
– "فلنذهب… الآن!"
ركضنا. كانت خطواتنا تلتهم الأرض، لكن قلبي كان يردد داخلي: ربما هذا الصوت ليس إلا طُعمًا. الشمس كانت تغوص ببطء في بئر الأفق، والليل بدأ يمدّ أصابعه السوداء حولنا. كنت أعلم أن العيون تراقبنا، وأن الخطة قد وُضعت، وأننا نحن الآن الهدف.
هي، بعنادٍ غريب، لم تُبدِ أي اهتمام لتحذيراتي، كأنها تُجرّب إن كان الخطر سيُمسك بها فعلًا. لكن فجأة، لمحْتُ في وجهها شيئًا تغيّر، وكأن الحقيقة بدأت تترسّب في أعماقها. التفتت نحوي وسألت، بينما أنفاسها تتلاحق:
– "إلى أين كنت ستأخذني لو أننا عدنا؟"
أجبتها بلا تردد:
– "إلى أي مكان لا تصل إليه أنيابهم."
لكنها لم تقل شيئًا. اختارت الصمت، واكتفت بالنظر إليّ نظرة غامضة، فيها خليط من الخوف والاعتماد. كنت أسمع دقات قلبها، أو ربما كانت دقات قلبي أنا، ونحن نُسرع عبر طريقٍ تتساقط عليه أوراق الشجر اليابس.
لم يكن اندفاعنا مغامرة عشوائية، كان هناك قلب يوجّهنا نحو النجاة، وعقل يحاول رسم الطريق وسط العتمة. ومع ذلك، كنت أعلم أن مجرد خطوة خاطئة قد تكون الأخيرة… وأن الليل، حين يكتمل حضوره، قد لا يترك لنا فرصة للعودة.