أكتب... طالما في هذا العالم من يقرأ.
أكتب لا لأُدهشك، بل لأُشاركك ذاك الجزء من العالم الذي خذلنا أن نبوح به، أو لم نملك الجرأة حتى على رؤيته بوضوح.
أكتب لأن في صدري مدنًا لم تُبْنَ، وأسرارًا لم تخرج من حدود البيوت، ليس لأنها تُصان كماءٍ في قاع بئر، بل لأنها إن خرجت، ستنفجر، وتذرُ الرماد في عيون الأسر، وتحوّل دفء المجتمع إلى بردٍ لا يُحتمل، وتشرذمًا لا تُجبره الأيام.
أكتب لأنني ما عدت أطيق الصمت.
ولأنني أحلم أن أكون صوتًا في لجنةٍ تداوي، لا يدًا تُدين.
أكتب لأن الكتابة وحدها كانت مركب نجاةٍ، حين غرق كثيرون في بحار الاقتصاد، والسياسة، والخذلان الاجتماعي.
كيف لا أكتب... وأنت فيك شغف القراءة، ولهفة الفهم؟
أنا مرهق، يا صديقي، أكثر مما يراه العابرون.
مرهق من العمل، من الالتزامات، من تلك العلاقات التي تستنزف الوقت والنبض.
أحاول أن أُمسك بما يمكن الإمساك به، وأدَع ما يمكن أن يُفوّت، لكنني لا أُهمل الكتابة...
هي النور الأخير حين يخفت كل شيء.
لست ممن يدفن أفكاره خلف أدراج مغلقة، ولا ممن يعود إلى بيته كمن يُطفأ بعد أن أنار يومًا بأكمله، ثم يُركن في زاوية منسية، لا أحد يسأل: كيف مضى نهاره؟
اعلم تمامًا، إن لم تُحسن ترتيب وقتك، سيذوب منك كما تذوب الحروف في فم المرتبك.
وإن وهبت وقتك كله للناس، حاصروك بأسئلتهم، وتركوك في آخر الطريق.
لهذا، أكتب... لأبقى.
وأكتب... لأجدني.