ذات يوم، سألتني إحدى الأمهات:
"ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ ما الذي تحلم به؟"
قالتها وكأنها تملك مفاتيح الغد، أو تملك القدرة على صناعته.
لم أعر سؤالها اهتمامًا كبيرًا، فقد اعتدنا مثل هذه التساؤلات في منطقتنا، كأنها جزء من بروتوكول الحديث العابر.
أجبتها كما يفعل الأطفال دائمًا، بكل صدق وبراءة:
"أريد أن أصبح مهندسًا معماريًا."
ابتسمت ومضت في طريقها، وكأن السؤال لم يكن سوى محاولة لملء فراغ الوقت، لا أكثر.
لكن ما لم أتوقعه، أن تسمعني طفلة من بعيد، كانت تراقب المشهد، فاندفعت نحونا مسرعة. أرادت اللحاق بتلك المرأة، وربما كانت تحمل لها شيئًا لتقوله، لكنها لم تدركها، فتوقفت أمامي وقد بدا عليها الإنهاك.
بادرت بسؤالها:
"لماذا كل هذا التعب؟ ما الذي جعلك تأتين مسرعة؟ أخبريني، ماذا يدور في خاطرك؟"
نظرت إليّ ساخرة، ثم قالت:
"أأنت حقًا تريد أن تصبح مهندسًا؟"
أجبتها بثقة:
"نعم، وما العجب في ذلك؟"
انفجرت ضاحكة، ضحكة ساخرة، عالية، لم تتبعها بكلمة واحدة.
تملكني الفضول، أردت أن أفهم سبب سخريتها، لكن صمتها كان كثيفًا.
ثم قالت فجأة:
"يا راجل، تلك المرأة نفسها لا تعرف ما معنى الهندسة! ومنذ متى أخرجت منطقتنا مهندسًا؟"
قلت لها:
"دعيك من هذا... وماذا عنكِ أنتِ؟ ما حلمك؟ ما الذي ترغبين أن تصبحيه في المستقبل؟"
نظرت إليّ نظرة طويلة، ثم قالت بنبرة حزينة:
"وهل نحن نملك أن نحلم بالغد حتى نفكر فيه؟
كل هذا الكلام الذي تتحدث به... لا أدري من أين جئت به.
أنا طفلة مثلك تمامًا، لكني أختلف عنك.
أنا أفترش الأرض، وأنام في الطرقات، في زقاقات الأحياء.
لا مأوى لي، ولا حياة غير التي تراها.
تعلمنا هنا، في هذه الشوارع،
وتدرّبنا على أن نبقى معًا، ألا نختلف عن ذاتنا،
لأن العالم من حولنا لا يمنحنا حتى حق الاختلاف."