إلى تلك الصديقة التي عاتبتها يوما لتنحيها عني وإمضائها لصك الرحيل، أشكرك جدًا وجدًا، فقد صنع هجرك لي شخصًا آخرًا غير الذي تركتيه، لا أقول أني راضية تمام الرضا عن ما صرت عليه أو أني سعيدة بما وصلت له، كل ما هنالك أنني صِرت شخصًا لا يبالي، أضحى كل شيء عندي سيان، الأبيض كما الأسود كلاهما ألوان، القرب كما البعد، الأزوف كالعزوف، بل أحيانًا ما يربكني الدنو ويجعلني أتحين وقت الفكاك وأترقبه، موقنة أنه يومًا سيحدث لا محال، لا آبه بمن ظل ومن فل، من لبث ومن انفك، من برح ومن قطن، لم أعد أفكر مليًا في ردودي قبل إرسالها وانتبه لكل حرف وأعِد قراءة رسائلي مرارا كي لا يسوء فهمي ويُظن بي الظنون، لم أعد حتى أعتني بمن يرافقني الآن، ولِمَ الاهتمام والتعلق وأنا أعي جيدا أنه يوما سيتركني ويرحل؟ ألا ترين أن هذا أفضل حال من ذي قبل! أما رأيتِ أن إقصائك عني منحة لشخصٍ باخغ مثلي! شعور مريح يا رفيقة أن تنفض ما كان يرهق روحك وإفلات ذات اليد التي تكبلك بِداع الود، إحساس بحُرية بعد قيد بسياج المبررات وأغلال المداهنة، وها أنا ذا أرسم عالمي الخاص بريشة الكفاف على لوحة العزلة المؤطرة بالشمم، عوضا عن تلك المرآة المغبشة التي منحتيها إياي لأذكرك كلما نظرت إليها وكأنك أنا، لا يا من كنتِ أنا، لا أنا أنتِ ولا أنتِ أنا، وحتى عطاياكِ ما كانت إلا فريةً وبهتانًا ومرآتك لم تك لتبين من بكى ممن تباكى.
أتذكرين حكمتك المأثورة التي طالما أعدتيها على مسامعي مرارا (لا يوجد مستحيلا بهاته الحياة) أما والله فقد آمنت بالمستحيلات الثلاث "العنقاء، الغول، الخل الوفي".
كم كنت حمقاء حينما كتبت رسالتي الأولى والتي لم تحرك لكِ ساكنا، وها أنا امح خطيئتي بتلك الرسالة التي قد تبدو عبثية إلا أنها ردا لامتهان ما سطرت سالفا، وبالأخير أردت إخبارك بأني والله ما بغضتك يوما وما اجتواك ذاك القلب الذي أحبك يوما، ولكني ربما نأيت بنفسي نكالًا لمن لا يستحق رفقتي ورأب صدع أصاب سكينتي جراء أوضار الأخلاق.
كتبت رسالتي هاته وأعلم أنها لن تصلك، فما عاد بيني وبينك سُعاة وانقطعت بيننا السُبل، كتبتها وسأطويها وأدسها بين طيات الأحقاب، كتبتها لمقارنتها بسابقتها وإبانة بون الرسالتين، كان لزاما علي يا رفيقة أن أحفظ لكِ صنيعك وموردك إياي هذا المورد...
رحيلك أبدلني








































