١
"غميضة"
في زاوية الحجرة وعلى مرأى منها تسامرت أم نديم مع أمها من جديد، وقالت منتشية:
-الحمد لله، لقد تعافت عروستنا، فهلّا حددتِ موعداً لاستضافة العريس وأهله لإتمام الزيجة!
ابتسمت الأم وكأن شيئًا لم يكن، وكأن تلك القطعة البالية المرتمية على الفراش ليست منها! رمقت سلمى أمها غير مصدقة ما سمعت فهي ما زالت تعاني وجعًا وإن بدت غير ذلك، تذكرت آلامها التي كابدتها وجرحها الذي لم يندمل وسيقانها المخضبة بالدماء، تذكرت تحايل أم نديم عليها كيما تقع فريسة تحت وطأتها لتسحبها من الشارع كشاة بينما كانت تلعب مع الصغار لعبة الغميضة لتأخذها لحلاق الصحة الذي انتظرها في غرفة معبقة برائحة المخدر، انقضّا عليها بلا رحمة ولا تمهل وأمها خلف الباب ترتجف، باغتتها أم نديم وجردتها من ملابسها السفلية وما زالت آثار تراب الطرقات عالقة بذيل فستانها الطويل، تشبثت بملابسها وهي لا تدرك ماذا يحدث، أصابها حالة من الفزع وحاولت الفرار، تملصت من يدي أم نديم ولكن أنّى لها أن تستطيع، باءت كل محاولتها بالفشل، هالها منظر المشرط المُقبض وحاولت انتزاعه من يد الحلاق فلم تفلح، استسلمت في النهاية بعد ما بلغ الجهد منها مبلغه كحمل وديع يلفظ آخر أنفاسه وهو بين فكي الضارية، ذبحا براءتها بسكين ثلم بتوقيع من أمها، بل هي من ناولتهم النصل الغادر لبتر براءتها بلا جريرة فعلتها، لا تدري بأي ذنب ذُبحت! ما إن انتهى الحلاق من المهمة المنوطة حتى أحدثت أم نديم زغرودة ارتعدت على إثرها بعد أن غابت عن وعيها للحظات، لم تع ما يحدث ولمَ أم نديم تزغرد بينما هي سابحة في بركة من الدماء تتأوه من شدة الألم! كيف لها أن تحدث صوتًا لا يصدر إلا من قلب مبتهج! دثرتها أم نديم بأغطية داكنة اللون لئلا يلاحظ المارة أثر الدماء وحملها نديم الذي يكبرها ببضع سنوات لبيتها وعلى فراشها وأمها خلفهما تلهج بالدعاء بلسان مضطرب، ظلت تنزف والأم تبدل لها الفراش واللباس حتى أهتدت أن تضع على الجرح حفنة من البن وهي لا تعلم إن كان هذا الصنيع مجديًا أم لا، صاح الأب لما رأى الدماء يكسي فراش ابنته والعرق يتصفد جبينها وتهذي بكلمات غير مفهومة من فرط الحمى، ثار على أمها ولطم ركبتيه، لم يتوان وأسرع بإحضار الطبيبة الموجودة بالوحدة الصحية، اعطتها إبرة لوقف النزيف وبعض الأدوية خافضة للحرارة، هدأت قليلا وغفت غير كثير ورأت فيما يراه النائم شبحين يتهامسا بصوت كالفحيح ويرمقاها بنظرات متوجسة، فتحت عينيها فزعة لتجد أمها وأم نديم بركنهما القصي ما زالا يتسامران..
شعرت بدفقة ساخنة ما بين فخديها مصاحبة بوخزة آلمتها، كمدته خجلًا حينما رأت نديم يدنو منها حاملًا لها ثلة من الحلوى التي تحبها، تحاشت النظر لعينيه وأخذت واحدة منهم على مضض، وقالت بصوت واهن:
-ماذا حدث؟
رد على استحياء:
-كنا نلعب الغميضة...








































