تشابك سري ج٨
قبل أن يسألاه وقبل ان يخبرهما لاحظ أمه وهي ساهمة الطرف شاردة الذهن. ناداها فلم تجبه اقترب منها واحتضنها بقلبه و ذراعيه. انتبهت له ولم تنتبه إلى دمعة غافلتها و استطاعت الهرب قبل أن تحتبس خلف الجفون المرتعشة.
قالت بنبرة شجية: الم تلحظا أن ذلك الموعد المتكرر لتلك النوبات هو نفس موعد مولدك؟ هل لهذا علاقة بأخيك؟ أم تراني أهذي؟
قال لها: سنعلم قريبا على كل حال.
انتفضت من غفوتها تصرخ و تمسك بتلابيبه وبالأمل وتناشده الرد الموافق لرغبتها الملحة منذ سنوات: ماذا تقصد؟
هذا ما جمعتكما لأجله فقد تلقيت اتصالا غير متوقعا من جهة غير معلومة يحمل رسالة مبهمة .
فحواها أفزعني و قض مضجعي.
استحثاه بالاسراع بالإفصاح فقلبيهما لايحتمل مزيدا من الانتظار.
كانت الرسالة كذلك: نحن نعلم بما اصابك منذ فترة بعيدة ونعلم تفاصيله وعندنا التفسير الحقيقي له، ولدينا ادلتنا الداعمة لذلك و سنأتي لتوضيح كل شيء.
من أنتم؟
سنخبرك بكل شيء عندما نحضر.
ومتى يكون ذلك؟
بادرته بيقين؛ يوم الثلاثاء.
لاحقتها عينيه الزائغتين وكيف عرفت؟
أجابه الأب: هذا يوم مولدكما يا بني.
قالت وهي تتلمس الصدق والمؤازرة منهما. أنا على حق أنا على حق.
قالا لها في نفس واحد: دعينا لا نستبق الأحداث فربما لم تكن سوى مصادفات نصاب بعدها بخيبة أمل قاسية لن نتحملها.
أردف الأب: دعوا عنا تلك الأفكار السلبية فمهما كان السر المختبئ وراء تلك الزيارة فيكفي انهم يعلمون تفسيرا لما يحدث لك؛ فلعل عندهم العلاج. هذا فقط ما أرجوه.
قالت: وهذا ما أرجوه ايضا وارجو معرفة اين وحيد.
صرخ الأب في وجهها وترك الغرفة في عصبية واضحة وهو يقول نحن نعلم أين هو كما تعلمه ابنة خالتك التي تزوره و تضع الزهور على قبره كل عام.
ساد الوجوم المكان وغلفه الصمت لحظات قطعها فريد عندما قال لأمه. غدا الثلاثاء و سننتظرهم في الميعاد.
في الموعد المحدد دق جرس الباب وسمعت الأم جلبة رخيمة هامسةرغم أنها كانت تنتظر في الشرفة طويلا ولكنها لم تر أحدا فمن هؤلاء الأشباح؟ ومن أين أتوا؟.
دخل مجموعة رجال يحيطهم بريق وبهاء رغم السترات السوداء والنظارات المعتمة.
أفسحوا لهم الطريق فاتجهوا مباشرة إلى الصالون دون كلمة واحدة وكأن كل شيء مبرمج ويحدث دون أرادة من أحد.
لم تمض لحظات حتى مد أحدهم يده بمغلف كبير مغلق. تقدم فريد ليتناوله منه فاعتذر منه وقربه من امه و أبيه. تناولاه وقام الأب بفتحه. كان يحتوي على بعض الصور الفوتوغرافية.قال الأب بدهشة: فريد!!!
قال أحدهم بل وحيييد.
تسمرت الأعين وابتُلِعت الانفاس. اختطف فريد الصور. ازدادت دهشته وقال: كيف؟ كانت الصور بنفس الملابس التي كان يرسمها لأخيه من وحي خياله.
التفت الجميع على ارتطام رأس أمه بظهر الكرسي الوثير فقد فقدت وعيها للحظات استطاعوا افاقتها بقليل من اقرب عطر على مكتب وحيد المجاور.
أين وحيد؟ أين ابني؟ قلبي كان يحدثني دائما أنه حي. لكن كيف؟ ولِم لَم يخبرنا أحد كل هذه السنوات؟ ولم فعلتم بنا ذلك؟ أريد ابني أريد أن أراه احتضنه بشوق كل السنوات. ألومه أعنفه أضربه بكلتا يدي. لما سمحت لهم؟ هل احتملت كل سنوات البعد دون لحظة شوق أو ألم؟
لم يستطيعوا اسكاتها أو حتى إجابتها عن اسئلتها فمعها كل الحق ومفهوم ما تمر به من تشويش و حنين وصدمة.
كانوا يرددون: سنجيبك. سنجيبك. ظلوا يرددونها حتى التقطت الكلمة اذنيها فتوقفت للحظة لكنها لم تستطع الانتظار. هيا أجيبوا.
قبل ان نجيبك لدينا أولا شيء لك.
لم تنتظر طويلا حتى رأت وحيد بجانبها قادما من الخلف من باب الغرفة المفتوح.
نظرت إليه ثم إلى فريد هل هما موجودان حقيقة أم هي أضغاث أحلام راودتني لسنوات. الكل يرتجف. الأربعة لا يصدقون. تحلقوا ينظر بعضهم إلى بعض كل يملي النظر من فقيدِه. سنوات ذبحتهم و أسالت دماءهم قطرة قطرة لاهي اراحتهم من الألم و لا دعت للنسيان طريقا إليهم. سلموا لأوامر القدر وتعايشوا معها فكانت المكافأة.
لكن ماذا حدث حتى الوصول إلى هذه اللحظة وما تلتها من لحظات.
هذا ما سنعرفه في الجزء التاسع