جاء الزوج من السفر و كذلك الطفل المزدوج شرف إلى الدنيا.
صرخ الأب في وجه تلك الممرضة التي تفوهت بهذا الوصف على طفليه.
هما طفلي الملتصقين وجئنا هنا ومكثنا كل هذا الوقت ووقعنا على الأوراق من أجل منحهما حياة سوية. هما ليسا طفلا مزدوجا.
اعتذرت بشدة وهدأت من روعة و تركته مسرعة ولم تنظر إلى الوراء.
كانت منهمكة برؤية الطفلين تقبلهما من خلف زجاج الحاضنة وقد جمعتهما ملابس واحدة عليها رمز مستشفى ريتشموند للأطفال بينما في أحد اليدين لكل منهما سوار مكتوب عليه اسمه واسم الأم .
قالت: انظر.. هذان الملاكان الصغيران طفلانا أنا و أنت. قال: نعم وحيد وفريد.
ابتسمت وملأت وجهها السعادة فهو لم ينس رغبتها منذ أيام الدراسة. كانت تتمنى أن ترزق بطفلين وتسميهما بهذين الاسمين فهي تحب فريد الأطرش الذي كان اسمه وحيد في أغلب افلامه.
نظرت إلى السوارين و هي تحتضن زوجها منتظرة اللحظة التي يُسمح لهما بلمس الطفلين اللذين كانا نائمين في هدوء.
ارادا تسجيل تلك اللحظة الرائعة و بينما الأب يجهز الكاميرا حتى سُحب الهاتف من يده وسمع من يقول:ممنوع.. لا يسمح بالتصوير. لن تكون هذه الصور متاحة كما اوصى المعالجون النفسيون. حتى يكبر الصغيران ويستوعبا الحدث ثم يقرران رغبتهما الأكيدة في رؤية حالتهما الأولى. وقتها نتواصل وننسق لقاءا هنا أو في مصر لتسجيل هذه اللحظة فهي تابعة لما نقوم به من دراسات. وقبل أي ردة فعل من الأب أردف: لا تنسيا انتما وقعتما على كل الأوراق في السابق.
لم يريدا لهذه اللحظة أن يفسدها شيء فلأول مرة منذ سنوات يرزقان باطفال وها هما حيان يرزقان أمامهما. يا لها من لحظة توقف عندها الزمن و امتدت الدقائق و اللحظات محاولة أن تسع فرحة العمر تلك.
كانت مرات قليلة شبه دورية التي سُمح لهما بلمس الطفلين عن طريق القفازات المطاطية الطويلة التي تخترق زجاج الحاضنة من خلال هاتين الفتحتين الدائرتين.كانت لحظات بعمر كليهما اختلطت فيها دقات قلبي الأبوين كما كان قلبا الطفلين يختلطان.
مرت أسابيع ولا جديد سوى نمو الطفلين الواضح. فقد سمع لهما اصوات ضعيفة و شوهدت ابتسامات لا إرادية على نكات مجهولة اما الايدي والارجل فكانت تحبو في الهواء رغم انابيب العقاقير المتراصة واسلاك اجهزة القياس وتنظيم الوظائف الحيوية.
تحدد أخيرا موعد عملية الفصل وتجهز الطفلان.
الوقت يمر ببطء منذ آخر قبلة طُبعت على جبينيهما من أبوين ملتاعين.
لم يدركا كيف مرت عشر ساعات وهما بالداخل مع الفريق الطبي. مرت خمس ساعات أخرى والقلوب متوقفة عن النبض رغم دقاتها العبثية فهي تسرع وتبطئ مع الأفكار و الهواجس.
كان كل شريان وكل خلية تقسم بالتساوي بين الصغيرين كما تقاسما رحم أمهما وحب أبيويهما بالتساوي.
بعدما يقرب من عشرين ساعة خرج الفريق الطبي بأطبائه وممرضينه الواحد تلو الآخر بعد عقد جلسة مشورة مصغرة في غرفة الإفاقة المجاورة لغرفة العمليات والتي لم ينقل إليها الطفلين بل نقلا مباشرة إلى غرفة العناية المركزة المجهزة لهما مسبقا.
اقترب منهما كبير الجراحين وتحدث إليهما بنبرة هادئة أو باردة لا فرق في ذلك بالنسبة لهما:
تفضلا معي.
ظل يتحدث معهما حتى وصلوا إلى غرفة اجتماعات صغيرة. طلب منهما الجلوس و بدأ حديثه..
إلى اللقاء في الجزء الرابع