تشابك سري ج٢

لم يمض وقت طويل حتى تم كل شيء ووجدت نفسها أمام ابنة الخالة في مطار ريتشموند الدولي. لم تلحظ من الرحلة الا اللقاء فلم تهتم لبلد الترانزيت ولم تتجول في مطارها او حتى تسأل عن اسمها الذي تردد على مسامعها كثيرا ولكنه كان يرتد من طبلة اذنها إلى الخارج دون أن يعلق بذهنها ابدا فذهنها مشغول بالصبر و الأمل .بالطبع هي لم تسافر للسياحة. لكن قد تفعل عند عودتها مع طفليها وهما بخير و صحة ان شاء الله. انتهى الترحيب بسرعة فالحياة سريعة جدا في فرجينيا حياة عملية لأبعد درجة.
قادت بهما سيارتها الفارهة ماركة لينكولن. إلى مركز طبي لرعايتها  على مقربة  من مستشفى ريتشموند للأطفال حيث سيتم  فصل الطفلين كما حدث سابقا في هذا المستشفى بنجاح.
مالت عليها وقالت: أخبريني بالتكاليف لقد احضرت المال قمنا ببيع قطعة الأرض التي نمتلكها واقترض زوجي المال حتى  خاتمي الألماس قمت ببيعه. الحمد لله معنا مبلغ معقول.
احتارت في نظرتها غير المفهومة حين أخبرتها أن كل شيء معمول حسابه وسيتكفلون هنا بكل الماديات والاقامة وحتى تذاكر السفر. كل شئ.
الأمر يصعب تصديقه  مما أثار قلقها وفضولها فسألتها و لكن لم كل ذلك؟
قالت لها والممرضة تدفعها على كرسي متحرك و قد اُدخلت جميع بياناتها في سيستم المركز الطبي منذ أن كانت في مصر وكل شيء معد مسبقا.
دقائق و أخبرك بكل شيء. انتظرت حتى انهت الممرضة مساعدتها في وضعها في سريرها و توصيل ذراعيها و ساقيها بكل اجهزة قياسات الوظائف الحيوية ثم غادرت بابتسامة باهتة.
قالت لها اسمعيني جيدا. مستشفى ريتشموند للأطفال تابعة لجامعة فرجينيا كومونويلث. وسيقومون بالاهتمام بك و بالطفلين حتى الولادة و هم من سيقومون بإجراء عملية الفصل ومتابعة الحالة  فيما بعد. و سيتطلب ذلك شهورا من العناية والمتابعة و قد تصل الفترة إلى سنة كاملة و ربما أكثر وهو أمر لا قبل لأحد بتكلفته الخيالية. كل ذلك نظير أن توقعين لهم بالموافقة على دراسة الحالة  باطرافها المتعددة من بدايتها و حتى النهاية دون شروط.
-لكن لِم لم تخبريني من قبل؟
-وهل عندك مانع أو حل آخر؟ ما يهمنا هو حياتك وحياة الطفلين و رعايتكم الرعاية الصحية اللازمة والتأهيل النفسي المطلوب وسيعمل على ذلك فرق ومجموعات من الأطباء في كل التخصصات . فما بالك لو تم ذلك و بدون اي تكلفة. و لا تنسي أنك بذلك ستفيدين العلم وتساهمين في انقاذ حياة أطفال آخرين لهم نفس الظروف.
عندك حق. كيف لم أفطن لكل ذلك. لكن كان من الأفضل أن نتحدث في هذه التفاصيل قبل السفر كما أن المكان هنا يبدو غريبا. به برودة في الطقس والمشاعر. الابتسامات باهتة و كل شيء يبدو و كأن روبوتات تحركه.
حقيقة لا أدري عن هذآ المركز الطبي شيئا فهو ليس مدرج على الخرائط ولا حتى جوجل ايرث. وأنا أمر من هذا الطريق يوميا ولم ألحظ المبنى اطلاقا إلا بعد أن أتي بي المسؤل الذي اتفق معي وهو صديق جاري الذي حدثتك عنه. لاحضرك مباشرة من المطار إلى هنا لتنالي قسطا من الراحة بعد عناء السفر حتى يتم تحديد موعد للقائك معهم وقتما تستطيعين ذلك.
كانت أجازة الزوج على وشك الانتهاء و بعد أن اطمأن عليها وعلى صحة ابنائه ودعها تاركا لها قبلات تؤنسها وتذكرها انه دائما بجانبها. كان عناقه وعدا بالعودة عند اقتراب موعد الولادة الذي سيحدده الأطباء. لم يغادر حتى اوصى قريبتها أن تزيد من تواجدها معها حتى لا تشعر بغربة. فكانت بالفعل معها كل يوم بعد انتهاء عملها لعدة ساعات قبل العودة إلى ابنائها من زوجها الأذربيجاني الذي كان يدرس معها و الآن يتشاركان العمل في مجالهما البحثي لتطوير السيارات.
لازالت تتذكر نظرات الوداع الحانية المختلطة بالدموع وهو يربت كتفها وخدها تارة و  يمسح على بطنها تارة أخرى مودعا طفليه القابعين في مكانهما السري تحيطهما كل عناصر الغموض والقلق.
كانت العينات تؤخذ منها يوميا و تجرَى الأبحاث حسب الجدول الزمني الموضوع. أعطيت الكثير من العقاقير من خلال قارورة المحلول المعلقة في يدها  ثم يعاد أخذ العينات مرة أخرى وإجراء المزيد من الأبحاث. ولا تنقطع اتصالات الزوج وزيارات القريبة.
حدد الأطباء موعد الولادة قبل تمام فترة الحمل. كانت لا تزال في الشهر السابع.  تطايرت إلى أذنيها كلمات وهي شبه مخدرة  كادت أن تنساها فهي لا تفهم تلك المصطلحات التي كررها الأطباء او الباحثين او العلماء فالأمر كله محير.  لكن الشيء الوحيد الذي كانت على يقين منه أنها لم تكن مصطلحات طبية...
إلى اللقاء في الجزء الثالث