" بلاد العماليق.."
نالت عقابا قاسيا حُرمت بسبب افعالها من أشياء كثيرة تحبها لكن الجدة كانت دائما تخفف من أي عقاب فكانت تسأل بلغة خبرية يقينية " ماما هتزعل" فيأتيها الجواب الذي تعلمه جيدا " سأستسمحها. "
وعدتها الأم يوما بمفاجأة لا تخطر لها على بال إن هي التزمت بما اتفقا عليه حتى نهاية الأسبوع. كانت الأم تريد أن تضمن أسبوعا آخرا من الراحة من عناء الركض وراءها لكن في غمار ذلك نسيت أمرا هاما يخص الصغيرة فهي لن تتوقف مطلقا عن السؤال حتى تعلم ماهية هذه المفاجأة ولكن كيف تخبرها والأمر يتطلب استعدادات لم تنته بعد وهي تعلم أنها لو لم تتمكن من تنفيذ الأمر فستكون المصيبة أعظم.
أرادت ان تسكتها فذكرتها بحادث الهرم لكن جاء الرد صاعقة. " في بيت جدتي اتسلق اي شيء أمامي فلم لم تعاقبينني؟" ردت الأم: " لأنه بيت جدتك.. أمان يعني.." فأكملت: " و الهرم أيضا بيت جدي... أمان يعني." عجبا لهذه الصغيرة من أين لها كل هذه الحكمة؟ اذن هو ليس تهورا أو عدم استشعار للخطر بل شعور جارف بالأمان في كنف الأجداد مادامت تلك الصروح شامخة
لن يفلح ذلك إذن. فكان الأمر الذي علمته الأم للتو هو طوق النجاة للخروج من المأزق. أخبرتها بما هو أقرب موعدا لعلها تهدأ قليلا.
" سيزونا غدا إن شاء الله أناس تحبينهم كثيرا. لن أخبرك من هم. عليك انت ان تفكري بنفسك او تنامي مبكرا حتى يأتي الغد وتقابلينهم بنفسك. كانت لا تنام الا ساعتين على الحد الأقصى لكنها اليوم اجتهدت في النوم لتستنهض الصباح كي يأتي سريعا ولا يتثاقل كعادته. لم تخمن ولكنها تمنت و كان التمنى كافيا لتتأكد من النتائج فهو الله الذي لم يخيب لها أمنية.
كانت هذه الليلة كلما استيقظت في منتصف الليل تجبر عينيها على النوم فإذا بهما يستجيبان إلى أمر الصغيرة. ولا عجب فهي تتحكم في كل شيء بشكل عجيب. استيقظت واستعدت بأجمل ثيابها وبدت كدمية جميلة. لقد أتى الضيوف. هم بالفعل من كانت تنتظرهم..
أبطال الأساطير طوال القامة القادمون من بلاد العماليق بالنظر لحجمها الصغير. عليهم المهابة رغم ضحكاتهم و نكاتهم. بدلاتهم المشدودة على أجسام رياضية نشيطة لها نسيج يفوق في بريقه لمعة أزرارها المصقولة وكأنهم هبطوا بالبساط السحري ولم تطل أحذيتهم الأرض. هم أحد أقارب العائلة وأصدقائه من طلاب الكلية الفنية العسكرية اعتادوا المجيء عندهم في الأجازات. يعرفونها جيدا ويحبونها ويحضرون معهم قطع الشوكولاتة.كانت تستمع لاحاديثهم الشيقة عن التدريبات والمعدات والسلاح والحوادث العارضة. كان يوما رائعا يتكرر على فترات متباعدة هو ذلك اليوم الذي تمنت لو انها كانت ذكرا حتى تلتحق بإحدى هذه الكليات. هم بالفعل اساطير. أليس اخوانهم ممن يرتدون زي مشابه هم من حقق النصر الذي رأته في أعين الأسرة وقت العبور وهزموا العدو الصلِف واعادوا للوطن العابس ابتسامته؟
أخبروها أن وقت الحرب الكل يحارب المهندس والطبيب و الفنان والمعلم كل في موقعه وفي الميدان. تذكرت عبارة طالما رددتها الجدة " مات من سلاح المهندسين كتير في الحرب." بل إن الأمر تخطى حدود الوطن إلى الوطن الأكبر. لكن دائما كانت زاوية من قلبها تنبض أكبارا لهذا الزي السحري البوابة لعالم المعجزات جعلها ولسنوات تعتقد بالفعل ان من يرتديه قادم من حكايات الاساطير والملاحم حتى اتضح لها الأمر مؤخرا.أنهم بشر عاديون غير أنهم قرروا تحمل مسؤولياتهم وأقسموا على عدم التخلي حتى يذوقوا الموت. هنا يكمن الاختلاف...
القادم أجمل بكثير انتظروا الجزء القادم إن شاء الله.