انتظار وترقب من وجوه واجمة يقتلها التوتر وقد اقترب الموعد،؛ فماهي إلا ساعات وتنتهي التحضيرات ويتوافد الحضور وينشغل المنظمون وأطقم التأمين بمهمتهم الصعبة والتي زاد من صعوبتها؛حساسية الموضوع وتلك الشخصية الصدامية التي لا يعنيها إلا إيصال وجهة نظرها مهما تقاطعت مع أصحاب المصالح ومهما اعترضتها أيادٍ خفية تملك من السطوة ما يمكن أن تجعلها تتأذى بسببها.
كل شيء معد. الكاميرات في مكانها وأجهزة الإنذار وبطاقات الدعوة الممغنطة محدودة العدد نسبيا.
أماكن مخصصة للصحافة والإعلام مسيجة بأعمدة من الكروم وحبال من المخمل تصل بينها مشَكلة مساحة محسوبة لعدد محدد من العاملين بوكالات الأنباء العالمية .
ينتشر رجال التأمين بزيهم الرسمي على أجساد ممشوقة؛ والبعض متخفيا وسط الضيوف.
همهمات ونظرات زائغة بدأت تفرض نفسَها بعد ساعات من الإنتظار والتحضير.
إسم بدأ يتردد مصحوبا بجلمة متكررة "وصل بالفعل وفي طريقه إلى القاعة."
حركات سريعة من أناس يتشبثون بكاميراتهم الإحترافية المحمولة وميكروفونات مثبت عليها أسماء قنوات إخبارية مختلفة؛ يعلقون في أعناقهم بطاقات تحمل صورهم وأسماءهم. يرتدي كل منهم صديريا أسودا مكتوب عليه من الخلف والأمام ( press).
فجأة وفي ثوان، أضيئت كل الأنوار وظهر على المسرح رجل خمسيني مرتديا سترة زرقاء داكنة، خطواته سريعة وحازمة وضع الحاسوب المتنقل الذي يقبض عليه بشدة أمامه على منصة المحاضر الخشبية الانيقة التي ترتفع بمحاذاة صدره.
ألقى التحية على الحضور وأشار إلى الصورة الضوئية التي ظهرت منعكسة على شاشة بيضاء عملاقة مثبتة على الحائط خلفه. والتي ظهر عليها تلك العبارة الغامضة
"قرر حراس الأسرار الكونية استخدام الترميز كوسيلة بارعة لحفظ علومهم الخارقة."
ضغط على لوحة المفاتيح فكان ما توقعه الجميع والذي سافروا مسافات كبيرة من أجله.
الهرم الأكبر يتوسط الشاشة ببهائه الذي يزداد كلما اقتربت الكاميرا من تفاصيله من الخارج والداخل. ثم ظهرت صور لمسلات فرعونية تتوسط ميادين أوروبية واضحة المعالم.
تلتها صور لأهرامات حول العالم مختلفة التصاميم مصحوبا بصوت دكتور محسن الديب من خلف المنصة الخشبية العتيقة وامتزج ما تبثه الشاشة من صور مع ما تفيض به ذاكرته من معلومات
يقول دكتور محسن الديب:
هناك ما يزيد عن سبعمائة هرم حول العالم كلها مقامة على النقاط الدوامية عند تقاطع خطوط الرعي التي تحمل الطاقة الأساسية للأرض. يقف الهرم الأكبر بالجيزة على واحدة من أكبر النقاط الدوامية تلك؛ مما يجعله بناء مجمع لكميات هائلة من الطاقة المغناطيسية الداخلية. اقيم عند تقاطع خط الطول30 وخط العرض 30 بانحراف بسيط يساوي تماما نفس قيمة انحراف الضوء عند دخوله الغلاف الجوي مما يمكن من رصد النجوم بطريقة دقيقة؛ وقد صمم بمقاييس دقيقة متناغمة بتطابق مبهر مع كثير من المقاييس الفلكية فاضلاعه تتطابق مع الاتجاهات الأصلية الأربع والنسبة بين مجموع كتلة أحجاره لوزنه هي نفس نسبة كتلة الأرض لوزنها. استمر دكتور محسن ما يقارب الساعة في حديثه حتى بدأ التململ واضحا على ملامح الجالسين. فهو لم يضف جديدا. كلها معلومات يعرفها العامة قبل المتخصصين منذ عشرات السنين.
في أحد الكراسي الخلفية نظر أحد الجالسين لزميله في الكرسي المجاور بإيماءة فتور ، فالأمر أخذ أكثر من حقه إعلاميا. حتى المصورين انزلوا كاميراتهم من على الأكتاف ووضعوها جانبا.
انجذب انتباه الحضور لحديث بدأه عن الأخويات السرية التي دأبت عبر آلاف السنين على سرقة علوم الحضارات وتشفيرها وتزييف التاريخ وقطع صلة الشعوب بعلومها القديمة بغية استعبادهم
وكيف اننا الآن في اضمحلال حضاري وتخلف تقني عن الحضارات القديمة المتطورة التي دمجت الحضارة العلمية والروحية بالضمير الإنساني واستخدمت الطاقة الحرة..
عند هذه النقطة اعتدل كل في مكانه وزاد من تركيزه وتوقفت الهمهمات وساد الصمت خاصة عند ذكر نيقولا تيسلا.
توسع في الحديث عن الطاقات الحرة المتاحة على الأرض خاصة عند النقاط الدوامية المقام الهرم الأكبر على إحداها وكيف استُخدم كمولد لأنواع عدة من الطاقة النووية والميكروية ولعل أهمها طاقة الأورجون. طاقة الكون العاقلة او الكهرباء الكونية.
اتسعت الأحداق عندما ربط بين الهرم وسلاح هارب.
ثم تحدث عن حضارات ما قبل الطوفان "اتلانتس وراما" عندما قاموا بتحويل الطاقة الترددية وطاقة الرنين للأرض إلى موجات صوتية بترددات معينة قادرة على إلغاء قوى الجاذبية. وهو ذات ما فعله المصريون القدماء مع حجارة الهرم.
صمت قليلا ثم تنفس بعمق وهو ينظر إلى الحضور وتلك الانفعالات الغامضة التي قفزت إلى وجوههم وكأنها تنتظر القادم من هذه المحاضرة التي يبدو أنها تغادر محطة الملل إلى محطات أكثر إثارة.
ثم أكمل حديثه..
استخدمت الأهرامات كمولدات طبيعية للكهرباء من الطاقة الحرة. واختيرت أماكنها بمصر وحول العالم بدقة بالغة تربطها خطوط الرعي التي تحدثنا عنها في البداية وهي أشبه بالألياف الضوئية التي تصل العالم ببعضه عبر الشبكات العنكبوتية.
شكلت المسلات أبراجا للربط لإنشاء دوائر كهربية مغلقة محسوبة المقاييس والمسافات والتي أختيرت أماكن إقامتها بعناية وفقا لحسابات دقيقة. وقد نحتت من صخور الجرانيت المشبع بالكوارتز الذي له خاصية تحويل انواع الطاقة إلى كهرباء والعكس.
الجدير بالذكر بل والمثير هو التفاعلات التي تحدث داخل الهرم وتشبه مايحدث في الانفحارات الكونية. ففي غرفة الملكة يتم انتاج الهيدروجين وتعريضه لمجالات مغناطيسية فائقة من داخل الهرم لإثارة ذرات الهيدروجين لإمتاج كميات هائلة من الفوتونات الضوئية عند عودة الذرات لحالتها الطبيعة. هذه الفوتونات قادرة على إضاءة كل المساحات الشاسعة التي تتواجد بها الأهرامات والتي تم ربطها بدوائر مغلقة عن طريق المسلات وقد عثر على برديات تؤكد أن فنار الإسكندرية كان يضاء على مدار الأربع وعشرين ساعة بهذه الطاقة الضوئية الهائلة التي أسموها طاقة الإله. بالفعل هي منحة أودعها الله في كونه وأهداها للبشر لاستخدامها و الاستفادة.
السادة الحضور..
أرجو الانتباه.
فقدت عناصر غاية في الأهمية من تلك المنظومة الطاقية الجبارة. كان فقدها كفيلا بإفشال المنظومة تماما زسببا في محو أي معلومة قد تفيد في الاطلاع علة هذه العلوم المتطورة للاسنفادة منها.
فقد كانت الاهرامات مغلفة بطبقات عازلة من الحجر الجيري وعلى رأسها هريمات من سبائك ذهبية فائقة التوصيل. تم اختفاءها عم عمد منذ عصور بعيدة.
واختفي .. من حجرة الملك.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كانت جرائم سرقة الحضارات تتم في أبشع صورها. لم يكتف اللصوص من سرقة السبائك الذهبية التي تغطي قمم الأهرامات والمسلات.
ولكن تم سرقة المسلات ذاتها وقد حددت مسلات بعينها من أماكن معلومة لتنقل خارج البلاد ليتم فتح الدوائر المغلقة التي توصل الكاقة إلى كل بقعة تسيطر عليها الحضارة القديمة.
لكن يبقى السؤال.. كيف وصلت إليهم تلك المعلومات بكل دقة؟
الإجابة غاية في البساطة..
لقد تم سرقة الب ديات التي تختوي على أسرار الحضارة القديمة. زور التاريخ طمست العلوم سرقت الخضارة من أبنائها ونسبت زورا إلى آخرين مع تعاقب السنين.
ساد الهرج والمرج في القاعة وارتفعت الاصوات وتداخلت. وبدأ أفراد التأمين يتحركون في صمت وبطء في تحركات تبدو مدروسة ومدربون عليها.
ظل ثابتا ولم يكمل حديثه حتى توقف الجميع عن الحديث وعاد للقاعة نظامها. نظر إليهم ثم قال..
بالطبع لن تلقى الإتهامات جزافا. الحديث العلمي لابد له من إثباتات علمية.
ابتلع الحاضرون الصمت قبل الكلام وتوقفت الأنفاس وكذلك دقات القلوب. هل هذا الرجل جاد فيما يقول؟ ترى ما هي هذه الإثباتات. إن كان مايقول صحيحا فالأمر جد خطير.
لم يكن أمام الحضور إلا الترقب والإنتظار لما ستسفر عنه اللحظات القادمة من أسرار.
ترك مكانه خلف المنصة الخشبية وتهادى على المسرح بكل ثقة والميكروفون الصغير أمام فمه ومثبت بدعامة معدنية دقيقة حول رأسه.
عاد لحديث بدأه منذ قليل. طرح أسئلة ولم يجب عنها رغم أنه الوحيد الذي يعرف الإجابة.
قال أتعلمون أن هذه المحاضرة تم تأجيلها عدة مرات. اتعلمون متى كان الموعد الأول؟ وما سبب التأجيل؟ ولماذا تقرر موعدها اليوم؟ انتظر قليلا ويهز يتحول في الوحوه ويتفحص الملامح ثم قال: وحدي من يملك الإحابة. زبعد قليل سيملكها الجميع. نظر إلى أفراد التأمين بوبهم الرسمي وقال: إن أمهلني القدر.
كان موعد هذه المحاضرة متذ سنوات بعيدة. وتم التأجيل حتى أستطيع إثبات الفرضيات التي تبنيتها الآن.
استغرق مني الأمر أكثر من خمسة عشر عاما لفعل ذلك. تتبعت خلالها رخلات كل بىظية وكل قطعة آثار . جمعت كل المعلومات عن البعثات الاثرية من كل دول العالم المستكشفين والباحثين وما تم اكتشتفه وما تم نقله بصورة رسمية او غير رسمية . وما تم تشويهه من قطع وما تم تدميره. زرحلة وصوله إلى مستقره الأخير.
كان لابد من إثبات ما توصلت إليه لينتقل من كونه وجهة نظر زفرضية ليصبح حقيقة رتسخة واضحة المعالم والتواريخ بشخوصها وهيئاتها.
توقف عن الحىكة زالكلام واستقر في زسط المسرح زبيده المتحكم عن بعد في خاسوبه المتنقل الذي لايزال مستقرا في هدوء وثقة على المنصة.
أشار إلى الشتشة وهو ؤقول فليستعد الجميع لساعة أخرى إضافية بها أسرار وتسريبات من أفواه أصحابها في لقاءاتهم السرية ومعهم مقتنيات سطوا عليها وساوموا من أجل تبادل مقيلاتها مع أمثالهم من اللصوص.
اليوم سيركب الخزي كيانات ذات حيثيات هامة. سيكون على البعض الاعتذار مع ما سيفرصه القانون من تعويضات وعقوبات.
لقد حانت لحظة الحقيقة.
فجأة حدث ما لم يكن متوقعا بل حدث ما كان يخشاه الكثيرون.
إنطفأت الأنوار وتحركت أشباح مدريدبة في الظلام.
لا يعلم إن كانت أشباح لأصدقاء أم لأعداء
أحاط أفراد الأمن بالدكتور محسن الديب وأنيرت القاعة بالمولدات الإحتياطية.
عادت الإضاءة للقاعة لكن لم يعد التمظيم كما كان الكل بتحرك وبنظر والبعض يفتح بتب تلقاعة ويغادر ودكتور محسن صامدا في مكانه و في يده المتحكم عن بعد.
لكن...
اختفى الحاسوب. سرقته ذات اليد التي سرقت الحضارة. أخفته أياد وجدت مصلحتها في غياب الحقيقة.
تحدث أحد أفراد التأمين إلى دكتور محسن: أرجو أن يكون معك نسخة أخرى من تلك الملفات السرية أم كانت النسخة الوحيدة.
نظر إليه بتحد ولم تصدر عنه أي إجابة.
ابتسم و قد التقطت أذنه بعض الكلمات وهو يغادر وإحدى الحاضرات تقول بلكنة متكسرة ساخرة: اهتم بنفسك يا دكتور حتى لا ينالك ما نال سنمار.
وآخران يتبادلان حديثا هامسا. قال أحدهما: سيكون على بلده حمايته ومضاعفة التأمين.
رد الآخر: وهل تعتقد أن جهد سنوات سيترك ليضيع سدى بهذه البساطة؟
بينما ذلك الجالس في أحد المقاعد المتقدمة ويضع إحدى ساقيه على الأخرى ويكاد يقضم ذراع نظارته بأسنانه: تحدث إلى نفسه حديثا مسموعا وهو يهز رأسه ويقول: الأمر يبدو لي مسرحية الغرض منها الإيقاع بمتسلل أو أحد اللصوص.
ابتسم في هدوء وغادر القاعة وسط دائرة الحماية التي أحاطته لتأمينه.