2. أبي.. أزمة عمري من جعل مني وحشا كاسرا ، شيطانا رجيما رغم أني لا أملك أسباب السطوة و لا عجب فهكذا كيد الشيطان دوما ما يكون ضعيفا. تعلمت أن أفقده كلما افتقدته. اقبل دعمه المادي لكني لا أتقبله فليس هو البديل عن الدعم النفسي الذي يحققه لي تواجده معي. اتوق إلي حنانه المغلف بالقوة و الخشونة و لا أطيق ألم فقدي لذلك. كم طاردتني في أحلامي تربيتات على كتفي تمنيتها من يمينه تشد من أزري فاستيقظ على برودة تلك الأنامل التي لم تلمسني يوما كما تؤكده لي ذكرياتي التي خلت حتى من ألعاب الطفولة الساذجة التي أعشقها و لم أمارسها معه يوما. كثيرا ما تخيلتني أجلس بثبات على ظهرة و هو يسير على يديه و ركبتيه و ضحكاتي تعلو لتُسمع الدنيا فأشعر أني أعتمد على جواد أصيل يعدو بي بعيدا نحو مستقبل أفضل دون سقطات أو كبوات. افتقدت الطيران محلقا في الهواء و قد قذفتني يديه لأعلى و أنا على يقين أنها ذات اليدين التي ستلتقطني مشيدة جسورا من الأمان و الثقة لا تستطيع نوائب الزمن أن تسلبها مني.
كم افتعلت سباقا بيني و بينه في أحلامي أعدو و أعدو بكل طاقتي و هو يتباطأ حتى أفوز و أرى في عينيه سعادة الأب الذي لا يتمنى أن يسبقه أحد إلا فلذة كبده مع علمي أنه آثرني على نفسه و قد كان بمقدوره ألا يفعل ، فأتذوق حلاوة حبه الجارف لي وأعلم أني قادر على تحقيق النجاح ما دمت استطعت الفوز على أبي و قدوتي رغم ساقي القصيرتين و عودي الذي لم يشتد بعد.
استعضدت عن القوة التي كان عليه أن يمدني بها بقوة و همية صنعَتها يدين لم تتعلم إلا كسر الأشياء الثمينة تفريغا لشحنات الغضب الهائلة بداخلي و لإلحاق الأذى بمن آذاني بالتخلص من هداياه الصماء الغالية الخالية من الحياة رغم ما تحدثه من أصوات و أنوار و حركات عبثية مجنونة تثير غضبي أكثر مما تثير سعادتي و قد أخرجت لي لسانها وهي تقول: أنا كل ما تبقى لك من أبيك. فلا أشعر بي إلا و انا اقذفها بكل عزم حتى تصير حطاما و أشلاء متناثرة.