نظرت الصغيرة إلى الورق الأزرق الذي تستخدمه أختها التي سبقتها إلى المدرسةبسنوات ثلاث وهي تمني نفسها باليوم الذي تصبح فيه كبيرة مثل أختها وتغلف دفاترها بهذه الالواح القاتمة
وكان للشريط الورقي اللاصق مذاقا سيئا لكنه كان يعجبها لأنه يمثل لها أهم الادوات المدرسية البعيدة المنال عنها في الوقت الحالي لكن أمرا عجيبا يحدث ...
لم يعد الورق الأزرق واللصق يستخدم للدفاتر بل ليغطي زجاج كل النوافذ. وتزامن مع ذلك تغير ما تبثه الإذاعة فقد اختفت اغنية " يا حضرة العمدة" التي كانت تبحث عنها ليل نهار وقلبها يخفق مع حركة المؤشر وهي تعلم أنها ستجدها في مكان ما عبر الأثير لكن ما حدث هو أغاني جادة بأرتام حماسية. و الغريب أنها كانت تطربها أكثر من كلمة " إهيي " التي كانت تضحكها كثيرا في أغنيتها المفضلة إلى أن انتبهت إلى اهتمام مفاجئ من كل من بالمنزل والمذيع يقول كلاما لا تفهمه و لا تتذكر منه إلا كلمة واحدة..
" نجحَت ق.." ولا تتذكر الباقي او لم تفهمه وعلمت أن امرا جللا قد حدث عند انفجار الجميع بالتهليل والتصفيق وتبادل الأحضان ورُفعت هي بحركة مفاجئة في السماء فلا تعلم من يقوم بالدوران بها فقد اختلطت الصور من حولها مع سرعة الدوران.
بالتأكيد لم يسجل " بوبو " هدفا فهو الاسم الوحيد الذي تحفظه وتحب ترديده فله وقع على السمع مثيرا ومفرحا. لا بالتأكيد لم يفعل فلم تكن هناك أي مباراه.
ومنذ ذلك اليوم وهذه الصورة محفورة في ذاكرتها محاطة بكل أنواع السعادة و الفخر الذي رأته في عيون الأسرة رغم أصوات أزيز الطائرات الذي لاينقطع مصحوبا بأصوات دانات المدفعية و طلقات متعددة قادمة من ناحية بحر اسكندرية الجميل.
كانت تسعد عند سماع من ينادي " طفوا النور" فتبادر هي وكأنها تستعد للعبة الغميضة فطالما تمنت أن تقوم بأفعال الكبار وكانت تصر على إشعال شمعة فانوسها السحري كما تسميه بدلا عن مصباح الكيروسين ذو الإضاءة المخففة التي تشبه شمعتها. كانت الأم تصطحبها دائما معها في المشاوير والخروجات شرط ألا تطلب أن تحملها . فكانت تتجول مع أمها في شوارع محطة الرمل.. النبي دانيال وسعد زغلول، ورغم صغرها كانت تعرف كل شارع بعلامة مميزة أغلبها محلات الحلوى والجيلاتي لكن كل شيء يبدو مختلفا وجديدا الوجوه العابسة تقفز الضحكات منها دون نكات رغم تلك الحوائط الخرسانية التي زرعت أمام كل عمارة مخفية بابها بصرامة لكنها لم تنجح في اخفاء جمال الأشجار من حولها.
سألت الأم هل أنا كبرت يا أمي؟ هل أستطيع الصوم كالكبار؟ كانت إجابة الأم تستطيعين أن تصومي غدا إن أردت ولكن إلى آذان الظهر فقط وإن نجحت في ذلك نزيد الفترة الزمنية حتى تصومي اليوم بأكمله وانتهى الشهر الفضيل وارتدت ملابس العيد وقد كان احتفالا رائعا يضاف إلى كل الاحتفالات من حولها فقد تمكنت هذا العام من صيام يوما كاملا أو هكذا تظن..
==
#غادة_سيد
الأكثر اثارة قادم فلنكمل الغد إن شاء الله