إنني أكاد أنفجر من الغيظ ، لدرجة أنني ركلت ظلي عدة مرات ، لكنه هنا لا يذهب لأي مكان ، بل يتبعني أينما اتجهت ، شبح كريه ، صبور وعنيد ، أجره معي أينما سرت رغما عني، وفجأة كمن اخترقته رصاصة ، أحسست بقشعريرة الموت .
على يدي اللتين وضعت على بطنها ، لم تكن هناك دماء ، بل خليط من حنقي وغضبي على ( ميمي )، كيف أخطأها الموت ، رغم أنني غرزت جيدا السكين الحاد ذاك في بطنها ، بعدما تأكدت أن أمرها انتهى وأنا أراها تسقط مدرجة بدمائها .
كيف تعود إلى الحياة ، حياتي لتسممها .
لماذا سامحتني على فعلتي ، رغم أنها تعرف أنني كنت أريد موتها نهائيا ؟
إن أمرها غريب حقا ..
في الضباب ، أبحث عن شذرات حياتي وأجزائها المبعثرة ،
إن (ميمي ) كانت تتلذذ بإغاظتي كلما مرة ، تستغلني في كل شيء ،
تمادت كثيرا وكان ذلك يوفر لها متعة كبيرة ، كنت أعرف ذلك من جهتي ،
أمر مضحك ، هي معي للمصلحة فقط ، وأنا أصابني الملل والضجر ،
وهي لا تتراجع رغم صبري الكبير ،
إنها تتعمد ذلك ، أنا على يقين من ذلك ،
تنظر إلي أمام الجميع وكأنني لا شيء ، ولكنها لا تستغني عني .
ألمس السلاسل التي تكبلني ،والحواجز والأبواب المغلقة ، لكنها لا تعطيني المفاتيح ، تلعب بمشاعري ، وتبتسم ابتساماتها اللئيمة .
لا أعرف لماذا لا تفهم أن العجلة ستدور حتما .
لا أعرف ماذا ينتاب الناس ، إنهم يذهبون دائما ، ماذا يحدث في العلاقات الإنسانية ، لماذا هي معقدة دائما .
ــ (لماذا تعاملني (ميمي) بهذا الشكل ؟ ).
كثيرا ما سألتها وطلبت منها أن تتراجع عن غيها ، لكنها كانت تنظر إلي بعينيها المقعرتين واللتين كثيرا ما أغرق في ظلامهما ،ولا يأتيني منها أي جواب ، فقط صمت الموت وكأنه صمت المقابر .
كنت كثيرا ما أتساءل إن كانت بشرية ،
اليوم حلمت بغابة أشجارها تركض نحوي وتقبض بأغصانها على عنقي ، كل واحدة على حدة ، وكأنها تجري علي تجربة الموت ، الغريب في الأمر أنني لم أختنق أبدا .
أدرت وجهي عن الطريق وعنها ، وعن ظلي ، لأن عيني امتلأتا فجأة بدموع متحجرة ،سيأتي وقت ، وسينتهي كل شيء وكل ألام الحب ستفنى .
استدارت ( ميمي )نحوي وكأنها علمت بما يدور في رأسي وقالت بعينيها المستديرتين المظلمتين :
ـ هل ستقتلني ؟
لم أجب ، لكن بسرعة البرق دفعتها نحو السيارة التي كانت آتية في اتجاهنا فتدحرجت تحت عجلاتها لتتكور غير بعيد ، على الأسفلت الساخن جثة هامدة مشوهة.
ما لم تكن تعرفه ( ميمي ) أنني النبتة السيئة ، القليل من الحياة في المكان غير المناسب .
كان خليط غضبي متأججا ، يهز صدري ، وأنا أجيب ضابط الشرطة
عن أسباب الحادث .
كان جوابي واضحا : ( لقد انزلقت من تلقاء نفسها نحو السيارة) .
وعن سؤال له :
ـ هل تظن أنها رمت بنفسها إلى السيارة في محاولة انتحار ؟
أجبته بكل غموض ، فأنا متأكد أنها كانت تتعمد معاملتي بتلك الصورة السيئة ، فهي كانت كمن يسير إلى حتفه :
ــ ربما ... ربما .