رأسي ،وعيناي وفمي، كل شيء مشتعل في.
قد ابتلعت جمرات تترك ثقوبا في كل جسمي، وعلى الأرض التي أطأ، وفي الكلمات التي أريد أن أقول للناس،فلو نفخت قليلا على النار التي بداخلي، لاحترق العالم، لكن بالنسبة إليهم، كلما نطقت أو نظرت إليهم تملأ وجوههم وأجسامهم ثقوبا كثيرة ينبعث منها سائل لزج أسود ، كريه الرائحة .
يصبح ذلك السائل خاصة في المساء، وديانا تملأ الدنيا سوادا حالكا ، حيث النسيم يكون هادئا وجميلا، لدرجة أحس معها أنني ألتحم بندف السحاب وهو يلقي ببرودة ناعمة على ثقوبي المندلعة بالنيران ،
لكنني أصر على الأسنان من فرط صدمتي عندما أنزل من فوق ذلك السحاب ، فأجدني أسبح في بحر البشرية القاتم المدلهم ، بغدرها وخياناتها السوداء ونفاقها اللعين ، لكنني لا أستطيع أن أفعل شيئا ،
كما الحالم الذي استفاق من حلمه حيث كان يظن أن النسيم العليل وحده يكفيه وان الحياة كاملة لا تكفيه.
وعندما يستفيق ، يتأكد أن الإنسان غالبا ما لا يقبل أوضاعه وما هو عليه بل يركض في كل الاتجاهات ويملأ روحه بالمتناقضات والشعور بالنقص هو المحرك الأساسي الذي يوجهه في كل أفعاله وسيتساءل :
ــ ماذا تفعل هنا ؟
وسيكتب :
ــ منذ متى ؟ وكم هي الساعة الآن؟ هل باكرا عند المساء أو متأخرا في الصباح ؟
لا فكرة لديه، وحده وسط الليل الطويل، مصلوب في وقته الخاص به يفقد مراقبة وقت الآخرين.
وقد يتساءل هل من الممكن أن نتألم طول حياتنا لنفس الأسباب ؟ وهل من الممكن أن نصبح أقوياء بعدما تنتهي عاصفة آلامنا وأوجاعنا ؟
كل ذلك حصل لها لما كانت وردة بين يدي هؤلاء الذين لم يكن يهمهم الحفاظ عليها.
وعندما ذبلت وذهب لونها وسقطت إلى الأرض تدوسها الأرجل، أقسمت أن تنتقم،
كان شعارها في ذلك ومواساة لنفسها المحطمة أن الشجرة الميتة تظهر كم هي أنانية الأوراق والأزهار التي تغادرها في فصل الخريف وتتركها عارية في فصل الشتاء وتعود لتتملق أغصانها كلما أتى الربيع وتعلق عليها ثمارها كلما جاء الصيف ..
وان الرجل الممدد على نعشه يظهر عدم أهمية أن تكون له ذرية صالحة أو فاسدة ومدى ثروته وغناه أثناء حياته.
والأسماك السابحة في مياه البحر تنسى أنها داخل مياه البحر معتقدة أن ذلك موطنها الطبيعي ولن تلفظ إلى الشاطئ يوما ما.
والطيور تطير في السماء معتمدة على جناحيها لكنها لا تعرف أن الرياح هي من يساعدها على الطيران .
كانت تفكر في كل ذلك وهي ترمي بجثته إلى تلك الحفرة غير نادمة، ولا مبالية، مقتنعة أنها لو استطاعت أن تكون هادئة فذلك سيكون أفضل لها فهي الشخص الهادئ أمام الأحداث كيفما كان نوعها، وهي الشخص الذي يبتعد عن الشر فهي لا تبحث بتاتا عن الشهرة .
حاولت أن تقنعه ألا يجعل نفسها تمتلئ بذلك السائل الأسود من الكراهية العمياء بتصرفاته التي تنزع عنها كرامتها بكل غباء ووقاحة في نفس الوقت ، وتجعل نيران الحقد والكره تملأ روحها بكل تلك الثقوب ،
وقفت على حافة الحفرة التي صنعتها له خصيصا وهي تنظر إلى جثته وقد استقرت في عمقها، وتنهدت وهي تحس بمذاق الصمت الجميل،
وسؤال يراود ذهنها ( هل كان من الممكن أن تكون الكراهية أكثر فائدة لو خرجت من أفواهنا. )
شمرت عن ساعديها وهي تهيل التراب فوق جثته في تلك الحفرة ،
لم تشعر بالتعب ، كانت تظن أنه ليس هناك إلا طريق واحد نحو السعادة وهو ألا نحزن ونتأسف أبدا لأشياء خارجة عن إرادتنا ،
لما أنهت ذلك ، أحضرت شجرة صبار وقامت بغرسها فوق القبر وهي تتعجب مما آلت إليه الحال وقد طافت بذهنها ذكريات أليمة من ماضيها معه .
( شيء غريب حقا، نكون على معرفة تامة ببعضنا، ودون أن نعرف لماذا، نعمد إلى إيذاء بعضنا البعض وكأننا أعداء؟.
(إنه الأمر هكذا في هذه الحياة.) .