سأتعرض بالتحليل والتعليق لثلاثة من قصائد شعر الشاعر الدكتور المعز رمرم من خلال التعريف بالجنس الأدبي الذي تنتمي إليه تلك القصائد وبعد ذلك سيتم التعليق عليها شكلا وموضوعا ، وعناوينها كالآتي :
ــ متعة لقاء
ــ أنا وأنت
ــ ألحان هواك .
من أول قراءة لهذه القصائد سيتضح أنها تدخل ضمن الشعر الوجداني وتتسم بسمات الغزل العذري أو العفيف كما يطلق عليه بعض الأحيان من طرف النقاد ،والملاحظ أن هذا النوع من الشعر لا يغذي الشهوة أو يثير الغريزة بل يكون نابعا عن حالة وجدانية قوية وصادقة خالجت نفسية الشاعر ليبرز مشاعر طاهرة وعفيفة راودته مركزها الروح الإنسانية .
بالرجوع إلى قصائد الشاعر المذكورة سالفا سيتبين من الوهلة الأولى أنها بعيدة كل البعد عن الغزل الإباحي الواضح والصريح ، فهو في كل تلك القصائد وفي شعره الغزلي بصفة عامة لا يتعرض بالوصف لجسد المرأة أو المعشوقة أو المحبوبة إن صح التعبير ولا يروم وصف
2
محاسنها ومفاتنها بل يركز على الحديث عن مشاعره الطاهرة والنقية ليظهر مكابدته لآلام العشق والحب الذي يكنه لمحبوبته متمسكا بالأمور المعنوية في علاقاته الوجدانية بمعشوقته الوحيدة دون غيرها من النساء كما نجد سابقيه من شعراء الغزل قد ساروا عليه في أشعارهم الوجدانية مثل قيس ليلى أو كثير عزة وغيرهم .. وذلك إن دل على شيء فهو يدل على صدقه العاطفي والوفاء والإخلاص الذي يميز هذا النوع من الغزل .
فأنت تراه ينعث محبوبته بأجمل النساء قاطبة كما جاء في قوله في قصيدة ( متعة لقاء ) :
كل شيء فيك هو جميل
وكأنك ملاك مخلد ..
ويقول أيضا :
يا كل النساء ، أنا
أنت لحبك
أخضع توددا وأتعبد ..
ويعتمد كذلك إظهار حزنه لبعدها أو فراقها وتعاسته لضياعها منه كما في قوله :
وكلما اشتد بي شغف الهوى
وأضناني في حبك
أرى الفؤاد شاكيا ...
3
وهو بذلك يسمو إلى أعلى المراتب بمحبوبته موضحا معاناته الكبيرة وأن جل ما يشغله في الحياة هو حبه لحبيبته الوحيدة التي لا بديل عنها.
وهنا لا بد أن نؤكد أن الشاعر المعز رمرم يلتزم بوحدة الموضوع الشيء الذي يجعله صادقا فيما يقوله ويبين تشبثه بالعفة وابتعاده عن الإباحية والبذاءة في القول وهذه السمة نجدها هي الأخرى لدى الكثير من شعراء الغزل العذري وهذا ما اتفق عليه أغلب من تعرضوا لهذا اللون من الشعر بالنقد ، خاصة وأن تاريخ هذا النوع مشعر الغزل لم ينحط إلا عندما حاد بعض الشعراء عن الصدق والعفة في أشعارهم ، يقول الشاعر المعز رمرم في قصيدة (أنا وأنت):
أنا وأنت وشفاه تبتسم
لا تعرف معنى الضجر
تغرقني بشهد القبل
صباحا ووقت السحر .
الظاهر أن الشاعر يركن إلى الالتزام بالعفة والسمو في شعره ولا يتجاوز فيه ذكر كلمة القبل دون أن يتعرض لها بالوصف أو التفسير والشرح ، معنى ذلك أنه لا يتعدى التعبير عن الاتصال الحسي او المادي وهذا ما يجعل شعره في مرتبة الشعر الغزلي العذري الذي يسمو بالعلاقة بالمعشوقة إلى جو تسوده روح طاهرة تتخلل قول الشاعر .
4
وقد ذهب المعز رمرم إلى ما ذهب إليه غيره من شعراء الغزل في اتخاذ لون واحد وشكل واحد من الشعر في هذا الصدد ، فقد جعل المرأة تتميز بنفس صفات غيرها من النساء معشوقات الشعراء الآخرين وجعلها قمة
في كل ذلك ، وقد رفعها في القصائد الثلاثة التي بين أيدينا إلى درجة معبودته كما في الصلاة نفسها ، مترفعا عن دنايا الأمور ولم يتعرض أبدا لجسدها بأي وصف كان ، متأثرا بتعاليم الدين الإسلامي في هذا المنحى .
يقول في قصيدته : ( ألحان هواك )
إني صليت لله طامعا
والروح
من شوقي تحتضر ..
وفي قصيدته : ( أنا وأنت ) يقول :
وكل حروف الأبجدية
كتبناها أروع القصص ،
في الهوى ما بين
سجدة في صلاة
وما بين ذكر .
وقد اتبع شاعرنا قواعد أساسية في قصائده مقتصرا على التشبب بامرأة واحدة مستعملا الألفاظ العفيفة التي تتماشى والأخلاق الرزينة وهو شهم كريم يضحي بكل غال ونفيس في سبيل حبيبته معبرا عن
5
معاناته من أجل ذلك مبينا ما يكابده من شوق لها وبؤس ووجد في حال ابتعاده عنها .
وهذا يكون هو المحور الرئيسي لشعر الغزل في كل العصور ،ففي قصيدته ( متعة لقاء ) تراه يصف أحاسيسه الملتهبة وأحزانه وآلامه المضطرمة بنار العشق يقول :
في هواك جفني متعب
ومسهد
فقد أتعبني حبك وأضرم
جمري
في لحظة الاشتياق
والتنهد .
وهكذا نخلص إلى أن هدف الشاعر هو التغني بالجمال وإظهار الشوق إلى حبيبته مع الحرص على عدم التمادي إلى وصف محاسنها أو التعرض لجمالها الذي يوقد مشاعره بصورة حسية .
هذا من جهة ،
أما من جهة أخرى فلابد للناقد الحريص أن يتبين من خلال أشعار الشاعر المعز رمرم وأن يستنتج أنه قد تكون له أغراض أخرى من خلال تغزله بالمرأة فهو قد يقصد يذلك بلده أو الطبيعة حيث يتوجه بشعره ويتخد له منحى آخر لا يستطيع التوصل إليه إلا القارئ المتبصر فتمتد معاني شعره إلى تصوره أن الحبيبة قد تكون الأرض أو الروض أو الزهر فيوظف كل ذلك للتعبير عن أحاسيسه المتضاربة في هذا
6
المجال لما لكل ذلك من مكانة ومنزلة في واقعه ووجوده معتبرا أنه يشبه المرأة الحبيبة في احتوائها وعطائها وجمالها تبعا لما تخلفه الأحداث في نفسه من مشاعر ونزعات وجدانية يقول في قصيدة : ( ألحان هواك ) :
أحبك كا يحب الأطفال
قطرات المطر
وأعشقك بعدد حبات
الحصى
وعدد حبات الرمل ...
نرى أن الشاعر لا يهتم بالمرأة لذاتها بل يهتم لسر ذاتها بل إن المرأة لديه هي الحياة كلها وسرها ، فهو يسخر كلماته لتعبر عن طبيعة المرأة نفسها تلك الطبيعة التي توضح حقيقة الحياة والتي تأتي في أجمل صورة وأحسن شكل أي أنه يصنع بيانا يوضح خبايا مشاعره في صوتها المكتملة تجاه المرأة فتظهر للناس خصائص ودقائق تنفرد بها بشعره الجميل لم يكن يراها أحد وكأنها ليست فيها لكنه يبرزها بأريحية وتؤدة للجميع .
كل ذلك يصنعه بروح ملهمة حين تتلقى نورا ساطعا ينبع منها لينصب على أحاسيس وعواطف متموجة بألوان ومعاني وكلمات وأنغام صافية لا تشوبها شائبة .
كل ما ذكرناه ساقه إلينا الشاعر قفي نصوص تنتمي للشعر النثري ، فهي شكلا ذات تعابير واضحة لا لبس فيها ولا غموض إلا أن الشاعر قد يعتمد بعض الأحيان انزياحات وإيحاءات قوية قد تجعل القارئ يتسلل
7
إلى تحليل مخيلة الشاعر وتخيله ليستطيع فك رموز استعملها الشاعر مثل قوله :
إنني أفتدي عمري بسحر
المقل
سحرني بتجليات
التجسد
وإني أركع في صلاتي
لحبك .
حنكة الشاعر اللغوية المتميزة جعلته يبين للملأ قوته قفي صنع نصوصه الجميلة إضافة إلى عذوبة وسلاسة في التركيبات والصور الرقيقة التي تحتوي على دلالات واقعية تعبر عن أحاسيس الشاعر بصدق وتلقائية .
باختصار موسيقى النصوص الثلاثة المذكورة تجعلها منسابة وجزلة المعنى ومؤسسة المبنى بأسلوب رقيق عميق في ذات الوقت .
مضمونا وكما سبق القول فإن الشاعر المعز رمرم أبان عن أحاسيس ومعاني عميقة أسسها على مقدرته الفائقة على التحكم في النصوص وتوارد الأفكار لديه بصورة متناغمة متدرجا عبرها مسخرا الحالة المكانية والزمانية والطبيعة المحيطة بنا وقوة وصفاء الروح أيضا ليخرج للوجود نصوصا تتسم برونق خاص بها وتتسم بجمالية تشعل ذهن القارئ المتبصر .