الاجتماع الأول : جمع عام
صعد إلى منصة الخطابة ، ثعلب وقور ذو هيئة محترمة وعدل من مكبر الصوت في ثقة واتزان ، ثم تنحنح في كبرياء وأعلن بصوت جوهري :
الحمد لله رب العالمين .. وبعد ،
تحية إلى كل إنساني حاضر هنا معنا اليوم ،
كما تعرفون فنحن إنسانيون وأغنياء عن التعريف ، ففخامة الإسم تكفي .
لذلك أنهي إلى علم الجميع ، أن كل من يريد الانخراط في جماعتنا فيجب عليه أن يتسلح بالإنسانية ويتحلى بها .
وأظهر مخالبه الطويلة الحادة وهو يلوح بيده ، مؤكدا :
( لهذا يسرني أنا الإنساني الأول أن أسرد عليكم الواجبات والالتزامات التي تمنح الحق لكل من أراد أم يصبح إنسانيا أن يفعل دون حرج ،
وصمت قليلا وهو يركز نظره على صفوف من الخراف والنعاج والحمير والبغال، ويقلب نظره بين صفوف أخرى من الديكة والدجاج ، متجاهلا صفوف القردة والخنازير وقد طافت على شفتيه ابتسامة خبيثة وهو يمرر نظره على صفوف الأحصنة ، طالبا الصمت من الأرانب والثعابين وقال بحزم :
الإنسانية كما تعلمون هي الصفة التي تعوزنا وبها سنحطم كل العقبات ، ولكي نكون عمللين أكثر ، فإنني أود قبل كل شيء أن أشيء باعتزاز إلى ما حققته الثعالب في مرتبة اولى والذئاب في مرتبة ثانية والكلاب في مرتبة ثالثة من إنسانية منذ إنشاء نادينا الهادف هذا ,
لذلك نظرا لنجاح هذا الصنف في الدعوة للإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان، فإنني قررت أنه منذ هذه اللحظة لن يفتح باب جماعتنا إلا للذئاب والثعالب والكلاب فقط . وقد حددنا واجبا الانخراط في مبلغ قدره ( عشرون مليون من الخدع والخيانات ) ، فهذا من شأنه أن يكون سدا منيعا في مواجهة كل من سولت له نفسه أن يتقمص شخص هؤلاء زورا وبهتانا ،ولكي تكون أسوار جماعتنا منيعة فقد ارتأيت أن يجرى امتحان نهائي يمكن هؤلاء من نيل شهادة تثبث تخلقهم بالإنسانية واتصافهم بها اتصافا صحيحا لا غش فيه ولا تدليس ، أما عن مدة الاستمرار في جمعيتنا إلى حين التأهيل فهي تتمدد وتمطط إخواني الإنسانيون ، إخواني الإنسانيات وقد تصل إلى ثلاث سنوات يطرد بعدها المتمرن بالإنسانية ،
وأظن أن هذه المدة كافية لكشف عيوب ومزايا كل من يحاول أن يصير إنسانيا ويبقى لنا في نهاية الأمر واسع النظر .
ضجت المدرجات بالتصفيقات والصياح وأصوات الحيوانات جميعا من مواء ونقيق وعواء وصهيل ونهيق وثغاء إلى غيلر ذلك من الأصوات التي ارتفعت كثيرا لدرجة تصك المسامع .
بعد مرور لحظة جهنمية ،رفع الثعلب الوقور يده اليمنى علامة التوقف عن ذلك ، وزمجر حازما ، وجال في الباحة ، مبرزا أنيابه ، وعاد إلى منصة الخطابة وهو يقول :
( مع العلم أيها الثعالب ، أيها الذئاب ، أيها الكلاب ، أنه لا يقبل أي مرشح للالتحاق بنادينا ــ نادي الإنسانية ـــ إلا بعد حصوله على التزام منكم يؤكد تعاطفكم وتعاونكم ويقينكم أنه يملك كل المؤهلات التي ستجعل منه إنسانيا صالحا .ثم ليس هذا كل شيء ، بل إن التزامكم تجاهه يجب أن يخع بدوره لفحصنا الدقيق ومراقبتنا وبالتالي موافقتنا وإلا فسنكون مضطرين إلى إلغائه تماما .
إخواني الثعالب ، إخواني الذئاب ، إخواني الكلاب ،
مادام البشر ينسلخون عن صفتهم كإنسان ويتخلون عن مبادئ الإنسانية فقد ارتأينا أن الفرصة مواتية لتقويم ذلك ، والدعوة إلى الانخراط في الإنسانية قبل فوات الأوان ،لذلك فإن ملف كل مرشح لا يقبل من طرف عمال نادينا إلا كاملا لا تنقصه أية معلومات أو وثائق ، وإلا سيعرض من شجع على ذلك أو ساهم فيه والتزم به بالوبال .
وهنا انفلتت أعين الإنسانيين من لثعالب وذئاب وكلاب وكل الحاضرين من الحيوانات الأخرى من محاجرها ، وهي تنظر إلى الثعلب بدهشة كبيرة ثم استدار الجميع نحو الذئب الأكثر اتصافا بالمر والدهاء راجين إياه في هتافات وتصفيقات لأن يأخذ الكلمة ويتحدث باسمهم .
وقف الذئب محاولا أن يعدل من هيئته ، دافعا بصدره إلى الأمام في كبرياء ونخوة وأخذ الميكروفون ، وبعد عدة دقائق من الصمت والترقب ، خرج صوته عبارة عن حشرجة متسائلا في تردد :
ـــ والضريبة سعادة الإنساني الأول ؟
ابتسم الثعلب مبينا عن أنيابه الصفراء المخيفة ، واختفت ابتسامته فجأة ليحل محلها غضب مفاجئ ، وغار منصته ليقترب من مكان وقوف الذئب المتحدث وقال بصوت عال يسمعه الجميع :
ـــ سؤال في محله ..
وجال ببصره فاحصا الوجوه بنظرات غاضبة وقال بحزم :
ـــ إنني أعتبر هذه الملاحظة من الصفات التي تؤكد تحليكم بالإنسانية .. ثم تقدم خطوات واثقة تجاه جمهور الحيوانات الساكنة ثم بعد صمت قصير جاء صوته غاضبا :
ــ أكبر ضريبة سيدفعها من يقبل لديه للتدرب والتمرين على الإنسانية والتمرس بها .
وأخيرا أختم جمعنا الموقر هذا ودمتم إلى الأبد في خدمة الإنسانية في جماعتنا الموقرة ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
بعد مرور بعض الوقت في الحديث وتبادل التحايا والابتسامات الصفراء بين الحيوانات الحاضرة ، انفض الجمع ، رويدا ، رويدا إلا أن أحد الكلاب تباطأ في سيره إلى أن أصبح في موازاتي وابتسم وهو يظهر عن فم نتن ، فاحت رائحته الكريهة مبتسما بوقاحة وبادرني قائلا :
ـــ فيم تفكرين ؟
ـــ لا شيء سيدي الكلب المحترم ، لا شيء فكل شيء مضبوط وواضح في نادي الإنسانية .
ــ رأي صائب ، وأنت ماذا تريدين أن تصبحي بعد أن تتدربي على الإنسانية في نادينا العتيد .؟ فأنا أرى أنك لست لا ثعلبة ولا ذئبة ولا كلبة ؟ فأيهم تختارين ؟
ـــ أوه سيدي الكلب ، كلها سواء في نظري رغم أن هناك تفاوت في درجاتها ، فالكلاب مع احترامي الكبير لك توجد في أسفل الدرجات ..
ـــ جوابك صحيح ..لكنني أريد أن أعرف ما تنوينه فعلا ..
ـــ ما أنويه لا هذا ولا ذاك ... سأظل على حالي ,, قنفذة ..
اهتز من الضحك ..وهو يقول مختنقا بضحكه :
ـــ قنفذة .. قنفذة ـ.. ألم تسمعي قول رئيس نادينا ، فلن يقبل به غير الكلاب والذئاب والثعالب ..
ـــ سيدي الكلب .. أظن أن بعض المعلومات قد غابت عنك ..أنا لا أطمح أن أكون مسؤولة في نادينا و ذلك الأمر لا ينطبق على الجمهور بل على الأعضاء بمكتب نادينا ، وكذلك على كل من رشح نفسه لينال منصبا من تلك المناصب ، ثم يا سيدي الكلب أريد أن أحتفظ بما أنا عليه كقنفذة ، لأن ذلك يخدم مصلحتي.
نظر إليها الكلب مستفسرا وقد أثارته كلمة المصلحة وقال متعجبا :
ـــ كيف ذلك ؟
ـولن أتخلى عنها فالقنافذ كما تعلم تتسلل من الثغور وتخرج منها بسهولة وهي مهيئة بذلك للعيش في أي مكان وزمان.. والأهم من ذلك كله أن القنافذ كما تعرف حينما تدخل بستانا فهي تأكل من ثماره ما شاءت لكن بانضباط ودون شره ، لأنها تقيس نفسها كلما مرة على الثغرة التي دخلت منها لكي لا تظل حبيسة ذلك البستان وتضطر لمواجهة صاحب البستان كما يحصل غالبا مع السادة الذئاب والثعالب ..وحتى الكلاب فهم يتقاربون في الفصيلة على كل حال وتعرف جيدا مصيرهم .
ــ أه .. لم أعد أفهم ما تقصدينه سيدتي القنفذة ..
ـــ لا عليك ، لك العذر يا سيدي الكلب فقد لا حـظت أن الكلاب قد ثقل فهمها هذه الأيام .