ري أعلم تماما أنك لا تهمك مشاغل الحياة ومشاكلها ولا تهتم لها أبدا ، فذلك من واجباتي أو هكذا تهيأ لك ، تعيش فوق كل شيء وفوق الجميع، وكأن شغل كل مخلوقات الكون الشاغل هو أن تهتم بك وبرعايتك والقيام بشؤونك بدلا منك ، وأنت متربع على عرش أنانيتك ، تنعم بغرورك الطاغي الكبير .
ستأتي من الخارج منهكا من الجلوس بالمقهى وملاحقة الرائحات والغاديات على الخصوص بنظراتك البلهاء .
ستدخل المطبخ آمرا ، ناهيا :
ـ هل طبخت كذا ؟ الم أقل لا أريد هذا الأكل اليوم ؟ ...
وستنظر إلي نظرات آمرة بعينيك البنيتين ، وحاجبيك الكثيفين اللذين أكرههما كثيرا ، وكأنهما قد تجمعت فيهما كل أوجاعي ومشاغلي في الحياة على عكسك أنت .
لا أعرف كيف احتملت ذلك بصبر ومثابرة كل تلك السنوات والأيام وقد أغلقت فيها باب الكون علي وحدي واكتفيت بذلك وكأنني كنت في غيبوبة أو مخدرة .
ماذا أفعل وقد جعلت الفراغ يجتث راحتي وهدوئي ، فأصبحت سخيفة إلى هذا الحد ، وحيدة مع كتاباتي وقهوتي .
لا أعرف لكنك أصبحت منبعا لكرهي لك ، أتذكرك فأحس بالدونية وأنني لا أنفع لشيء .
لا أعرف لماذا تراودني فكرة أنني يجب أن أتخلص من هذه الحياة وان أقوم بأشياء من نفس صنف تصرفاتك الهوجاء معي .
ــ ماذا أفعل ؟
وكيف أفعل ؟
وكيف صرت بهذا السوء ، كثيرا ما فكرت أنني يجب أن أضع حدا لهذه الحياة التي أصبحت كمسرحية أتفرج عليها من بعيد رغم أنني بطلة أحداثها ، خاصة وأنك تخون عهودنا ومواثيقنا بكل وقاحة وأمام عيني .
وهكذا كلما وليتني ظهرك وخرجت ، كنت أشعر بالغباء الشديد لدرجة أنني أغمض عيني بقوة وألعن كل الحياة .
( لا تستعجلني ، مازلت صبورة ... مازلت أحاول أن أغمض عيني قبل أن أغمض عينيك ...).
تدريجيا ، فهمت الخدعة التي حبكتموها لي جميعكم ، أنت ووالدي.
كنتم كلكم تجهزونني لدور ( زوجة ) أو بالأحرى ( خادمة السيد ) .
تأتيني مهللا :
ــ أين الأكل ؟ هل جهزت كذا مما أحبه وكذا مما يحبه صديقي توفيق وخطيبته ؟
أتضايق جدا ..
أكاد أنفجر من الحنق والغيظ ويسكنني التساؤل :
ــ لماذا ؟ كيف يحصل هذا معي ؟ وإلى متى ؟
كل يوم هو اليوم نفسه ، يتكرر معي :
( أين الاهتمام ؟ ) ( أين الأمان ) ( أين الوعود بحياة سعيدة نتشارك فيها كل شيء ؟)
كلها وعود زائفة ، كاذبة ..
( لا يجب علي أن أتخلص من هذا كله .. يا ليتني لم أتزوجك ..ولم ألتق بك أبدا ، أبدا .. يا ليتني ..
مللت من نفسي ،
كل ما كنت أريده هو العيش بقربك ، لكنك تبتعد من البداية ، والآن أصبحت مسافات بيننا ..
ــ أريد أن نفترق ... اتركني ... طلقني .. لابد أن نفترق .
لا تلقي بالا إلى كلامي ، بل تنظر إلي بسخرية ولا مبالاة وكأنني أهذي ، وكأنك تملكني ...
يا للمصيبة
أصبحت أشعر وكأنك تملكني .
كم أخبرتك أن نتائج ما تقوم به ستكون وخيمة ، كم قلت لك وأنا أنز عذابا أنني كالقنبلة الموقوتة والتي على وشك الانفجار .
لكنك فضلت ألا تصدقني ..
بل نظرت إلي نظرات قاسية وقلت بكل استعلاء واستهزاء :
ـ ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟ وقهقهت في استخفاف بأمري وغادرت .
لا تشعر بالذنب أبدا ..
( ما قولك الآن وقد فصلت رأسك عن جسدك واجتثت أطرافك عن باقي جسمك وجززت لحمك جزا ...
كيف تشعر الآن وقد فرقت كل أعضائك على أكياس بلاستيكية ، كل جزء على حدة ؟
أنت تعرف ولا شك أين سألقي بكل تلك الأكياس ؟
لا تخش علي ، ولا تهتم لشيء كعادتك ، لقد قمت بتنظيفك ونظفت المكان كله ، لم تبق هناك ولا بقعة دم واحدة منك .. لا تنس أنني أصبحت ماهرة في التنظيف ..
ثم .. الآن ، مت دون ندم ... أتعرف ماذا ؟ أنا لا أريد أن أتذكرك أبدا ،
لا لن أناقشك وأجادلك أيها العبقري الذي تعرف كل شيء ، ولا تترك لي مجالا لقول كلمة واحدة وتنهرني على الدوام وكأنني لو تفوهت بأية كلمة فستقوم القيامة
لا رأي إلا لك .. ولا كلمة إلا كلمتك ...
آه قبل أن أنسى ، لقد وضعت عينيك ، وشفتيك ولسانك في كيس خاص سأزورهم في القبر الذي أعددته لهم لكي أتكلم ما شاء لي وأنت تنظر إلي دون أن تستطيع التفوه ببنت شفة .