إنني أشبه الجميع ، أظن أن لا أحد انتبه أو ينتبه إلي في الشارع، إنني أجسد اللامبالاة الحقيقية .
أرتعش من الخوف ، ويصيبني صقيع داخلي من الوحدة .
الماضي يحتلني .
متى توقفت عن الوجود ، متى ذابت آخر الحبال التي تربطني بالحاضر والمستقبل ؟
كرهت ذلك الشخص الذي هو أنا والذي يحب الجميع ويقوم بأي شيء من أجلهم ، يسعد الكل ، ويساعد الكل ، والذي يعيش أغلب أيامه على ذلك الحال وهو يعرف أن الجميع يسخر منه ولا يهتم له .
كرهت ذلك الشخص المهم والمتواجد للكل والذي يبكي من أجل الجميع لكن ذلك الجميع لا يهتم له و لا يعرف حتى اسمه .
أريد فقط أن أكون ذلك الشخص المحبوب من الآخرين ، المهم لهم ، والذين يسألون عنه ويتتبعون أخباره ويحتاجهم أيضا فيلبون احتياجاته وينفذون طلباته .
أريد أن أشعر أنني ذو فائدة وألا ينظر الغير إلي وكأنني شيء إضافي أو منعدم الوجود ،
لا أريد أن أشعر بالغباء .
تفكر دائما أنه مع بعض الأشخاص سيكون الأمر مختلفا وأن المسألة ستدوم إلى الأبد : الصداقة ، الحب وغير ذلك ، لكن الحقيقة مرة وقاهرة ، فلابد لك أن تظل وحيدا ، لأن لا أحد سيبقى إلى جانبك .
كل مرة ، الأشخاص يذهبون وتجد نفسك وحيدا من جديد ، الحقيقة أن ذلك الشخص الذي تحبه حبا عميقا ومن كل قلبك ، سيذهب لحال سبيله هو الآخر ، سيرحل ، سيغادرك يوما ما ، لا وجود لأي استثناء .
الوحدة الحقيقية أن لا تكون أحدا لأي أحد .
أشعر أنني أدور في دوائر طول الوقت ولكنني توصلت إلى حقيقة أكيدة هو أن لا أحد يعرفني حقا ، الجميع يرى مني ما أريده أن يراه ، ولا أحد نظر فعلا إلى الجهة المظلمة مني ، والتي أخفيها بكل دقة وحذر ، ولا أحد حاول أن يعرفها على كل حال .
وكل ذلك ، أخذ يدق على أعصابي ، لم أعد أتحمل حقا ، لم أعد أستطيع المقاومة .
تشبثت كثيرا بالحاضر وتطلعت نحو المستقبل ، لكن قدرتي على ذلك كانت ضعيفة جدا، كل مرة نفس الأفكار تنتابني ، كلما استغرقتني ذكرياتنا معا .
تكاد الوحدة تقتلني ، وكنت السبب في ذلك ، لا أحد يرى التعب والإرهاق في عيني والملل والضيق في كلامي،لا أحد يرى أنني أتألم جدا.
في أية لحظة قد نكتشف أن كل شيء انتهى ، في أية لحظة نعرف أننا أفسدنا كل شيء وأنه ليس هناك أمل .
هل هي تلك اللحظة التي قررت فيها أن أتخلص منك ومن كل هذا ، لأنك مادمت حيا ترزق فأنا سأتعذب بك .
لا أنكر أنني فكرت كثيرا في أن أنهي حياتي وأرتاح من كل هذا العذاب . فكرت في عدة طرق للقيام بذلك :
أن أطل من نافذة غرفتي وأقف على حافتها ، وأترك نفسي تنزل إلى أسفل دون أن أكترث لشيء وألا أقوم بأي مجهود لأمنع ذلك ،
أو أن أعتلي كرسيا وأركله بعيدا بعدما أكون مررت الحبل المشدود إلى السقف و وضعته حول عنقي .
أو بكل بساطة أبتلع كل الحبوب الموجودة لدي ، وأنام على فراشي ،.
أو بدلا عن ذلك أفتح عروق معصمي بكل هدوء ، إلى أن يصفى دمي كله ...
أو أعترض سير القطار ... أو أرمي بنفسي أمام سيارة مسرعة ...
كانت الرغبة في إنهاء حياتي تلازمني على الدوام ، لكنني لم أختر أية طريقة من كل ذلك ، فقد كنت جبانة جدا ...
فقط احتفظت بهذه المرارة القاسية في فمي وكأنها مرارة الموت ، وانعدام الرغبة في أي شيء ، حتى النوم هجرني .
ولقد هجرتني من قبل كما يفعل النوم ، ولم تعد تكلمني بين يوم وليلة ، وكأنني كنت بالنسبة لك مجرد تسلية ، أو وقت ضائع ، أو ذلك الشخص الذي تستغله لتستخدمه في نسيان شخص آخر أهم في حياتك .
أتتذكر أنني حاولت كثيرا وبكل جهدي أن لا أكون كذلك ؟
فعلت كل ما يجب فعله وأكثر ، وأحببتك كثيرا جدا وكأنك الشخص الوحيد في وجودي كله .
كنت تعرف أنك كل ما لدي في هذه الحياة ، لكنني في المقابل لم أكن لك سوى لحظات ، أيام ، ربما شهور .. إلى أن تعود لك ...
كنت تحطمني يوما بعد يوم ، وكنت أبكي ، كنت أتجزأ ...
أن أصبح كلا ، من جديد ، كان مستحيلا .
وكنت أتعذب بقسوة ، والألم ينهكني ، لأنني كنت أعرف أنني يجب أن أوقف كل ذلك الدمار .
وكان قلبي ممزقا وغير صالح للاستعمال وبدأت أشعر بهذا الفراغ الكبير يحتل كل جسدي .. وتلك الأفكار السوداء .
و أنا وسط هذا الليل الحالك ، أركز نظري على سقف غرفتي ..
الريح كانت قوية في الخارج ، ونافذتي ترتعد وتحدث هذا الصوت المتكرر، المخيف.
لم يفزعني ذلك ، بل هدأني قليلا ، وجعلني أحس أنني لست وحيدة تماما ، وهكذا فليلي ليس مليئا بالصمت والأفكار السوداء والدموع فقط.
دارت عدة أفكار في دماغي : ( لا تكون معي إلا لما تحتاجني أنت ، تتركني أنتظرك كلما اتصلت بك ، ولما أحاول أن أكلمك لما تكون في البيت ، لا تعيرني أي اهتمام ، وببرودة تامة تذهب وتصفق الباب وراءك ، فلا يبقى معي إلا الصدى .
أنت لا تعرف أنني على علم بعلاقتك معها ، إنني أعرف عنكما كل شيء، وذلك مؤلم جدا وخانق .
وكنت دائما أنتظر عودتك بفارغ الصبر في صمت مطبق ، ولما تأتي ، أستقبلك بابتسامة ، تلك الابتسامة الرائعة التي تخفي وراءها قصة لن تفهمها أبدا ..
تلك القصة ، بدأت لما اكتشفت روحي ، تلك الروح الأكثر سوادا من هذا الليل المعتم الحالك .
كنت غالبا ما أتماسك طول النهار ، لكن عند المساء وعندما تبدأ الشمس تغيب وتلحق بشمسي الغائبة على الدوام فإنني ألجأ إلى دموعي وأغرق فيها .
حاولت أن أكرهك فحسب ، لكنني كما تعلم ، فأنا لا أجيد فن الكراهية ولا أجيد التعامل بها ، ولو مع كل هذا الألم وهذا الوجع .
لكنني لا أهدأ أبدا جرحي عميق جدا ولا شفاء منه ، إنه جرح الخيانة .
وفي وقت الخوف والوحدة والشك ذلك ، تعلمت أن أستبعد فكرة أن أقتل نفسي
لم أعد أعرف ما يحصل لي ، ابتسامتك كانت تترصد ني ، وتشعرني بالتوهان وترميني إلى قعر بئر عميق من التفكير غير المستقر ، الجهنمي .
كم صرخت داخل ذلك البئر ، فلا يتردد إلا صدى أفكاري الهوجاء واسمك يرن في دماغي في جنون..
كان يجب أن أظل يقظة ، فلما كنت تذهب وتختفي ، فإن جزءا من تفكيري فقط هو الذي كان يشتغل ، والجزء الآخر يتلاشى إلى الأبد ..
ولذلك لم أستطع أن انسلخ عن هذا العالم المظلم الذي رميتني إليه رغما عني .
كانت هناك تلك الأفكار التي تشعل ذهني كلما مرة ، كنت تتراءى لي وأنت تحبها ، تعطيها الحنان والود والحب الذي هو من حقي .. وكنت أشعر بالهوان والدونية ..
كنت أعرف أنها النهاية ، ولا يوجد عبور ..
فأنا لم أعد أفكر أن أنهي حياتي ، بل حياتك ..
أنت يجب أن تموت ...
كنت أشعر بلسعات في قلبي كلسعات العقارب ، ويأس وبؤس لا يمكن أن تتخيل مدى حجمهما ، لأنني صرت منغمسة فيهما كليا .
وأخيرا علمت لماذا العواصف تحمل أسماء ا ، غيابك كان يملأ أفقي رعدا وبرقا ، وجروحك لي تمزقني من الداخل . لن أنسى أبدا نظرات الآخرين إلي ، تلك النظرات المستهزئة الساخرة من غبائي ، وكانوا يخاطبونني بأصوات تحمل نبرات شفقة لطيبتي الزائدة كما كان يحلو لهم أن يسموها .
لم أكن أستطيع معرفة كيف أشرح لهم أن كل تصرفاتي معك هي حب لك وصبر عليك ، لذلك فلا يمكنني التخلص من تلك الهمسات واللمزات والنظرات إلا إذا تخلصت من أسبابها .
الحمد لله ، جاء يوم الخلاص سريعا لما تجرأت وسألتك :
ــ أحمد ، قل لي الحقيقة ، هل تحبني ؟ أجبني بصراحة أرجوك ؟
وكمن يسير إلى حتفه أجبتني بنبرة تحدي وسخرية :
ــ أنت زوجتي فقط .
ــ كيف ذلك ؟ هل يمكن أن توضح لي قصدك ، كيف زوجتك فقط ؟
أجبني : هل تحبني أم لا ؟
وبكل تسلطك المعتاد ، ووقاحتك المعهودة واجهتني بسوئك وشرك الذي نهب آخر ما تبقى لدي من صبر وتماسك و جاءني جوابك القاطع :
ــ بكل صراحة ، أنا لم أحبك يوما ، بل تزوجتك لأنك أنت من تحبينني ولا ترفضين لي طلبا وتفعلين أي شيء من أجلي ..فأردت أن أبقيك إلى جانبي لأضمن خدمتك لي .
كل كلمة من كلماتك في ذلك الحين ، كانت نارا حامية تستعر داخلي وكان الغضب يكاد يقتلني ويطرحني أرضا ، لكنني تمسكت بآخر ما تبقى لي من قوة .
لم أنبس ببنت شفة وقتها بل نظرت إليك مليا فقط وانسحبت بهدوء تام لأنزوي في ركني بعيدا مع تفكيري القاتل .
سأصمد إلى النهاية ، وسأكتشف كل شيء بنفسي ، لذلك لما خرجت تسللت وراءك أراقبك من بعيد ، وكما خمنت أنت ذهبت مباشرة لملاقاتها في بيتها ..
(سوف أنتقم منكما معا) فكرت ، ( أنت لم تترك لي مجالا إلا للانتقام لكرامتي التي مرغتها في الوحل ،يجب أن أتحين الفرصة المناسبة للقضاء عليكما معا ..
حينئذ سوف تتوقف كلماتك عن طرق دماغي تلك الطرقات المتوالية التي تعمي عيني وتأخذ لبي .
في وقت آخر ، ولما كان مشغولا بالتهام ما صنعته من أكلات يحبها أخذت مفاتيحه لتصنع عليها نسخة وهي متأكدة أن مفتاح باب بيتها يوجد بينها .
استغللت فرصة ركونه إلى النوم بعد الغداء وتسلمت نسخة المفتاح وأنا أفكر ( هذا هو مفتاح موتكما معا .. ) .
لم أعد أفكر في شيء ، كنت قد استنفذت كل الأفكار ولم أجد أية حلول
فقد قتل أحمد في كل المشاعر وأصبحت أسير وكأنني أحد الأشباح الهائمة ..
لا تغضبوا مني ، لكنني أحسست أن إرادتي المسلوبة مني تعود إلي فأنا تلك المرأة التي تملؤها المشاعر المتضاربة والتي تخاف أن تلفظها الحياة .
هذا الشغف إلى حياة سوية مع شريك يحبني أفسد كل أفكاري الإيجابية، فحقيقي أنه مثل عاهة مستديمة لا يمكنني التخلص منها ، أو السم في عروقي ..
آه كيف ؟ كيف ؟ قلت لكم أنني لا أفكر ، لا ... أبدا ... هذه فكرة لمعت بسوادها بين كل تلك الأفكار الباهتة ، القاتمة التي لا تجدي نفعا ...
ماذا قلت لكم سابقا في الفقرة ما قبل هذه ؟ هل ذكرت شيئا عن السم ؟
السم في عروقي ؟... يا لنشوتي وفرحتي ، لأنني لحد الآن لم أكن مستقرة على قرار ، كيف يمكنني أن أقتلهما ؟ كيف ؟ وبأية طريقة ؟ قلنا السم في عروقي ؟ في عروقهم ... نعم .. في عروقهم...
أنتم تعرفون أنني لا أحسم في وسيلة القتل مما قد يجعلني أتخلى عنه وأتراجع كما حصل في البداية معي لما كنت أفكر في الانتحار بشدة ، ولم أتمكن من الاستقرار على طريقة معينة فتركت الفكرة نهائيا ،
فأنتم تعلمون أنني جبانة ولم أكن لأقتل حشرة ..
متى أصبحت مولعة بالظلام ؟ هل الظلام هو من أخذني فسقطت داخله؟
هل في لحظة من اللحظات كنت أسبح في المجهول ، ومع الوقت ، تعودت أن أظل هناك في الداخل الحالك السواد.
وأصبحت أحب ذلك السواد ولا يمكن أن أستغني عنه ،
راقبتهما لمدة يومين ،
في اليوم التالي ، غادرا البيت معا ، فدخلت بعد ذلك بقليل وذهبت مباشرة إلى المطبخ وفتحت الثلاجة ، ووضعت السم الذي هو عبارة عن مادة قاتله للحيوانات ، في كل الأطعمة التي كانت موجودة داخل الثلاجة
... فكرت بعمق أنهما يجب أن يموتا.. ربما أنعم ببعض الهدوء والإحساس بكرامتي .
بهدوء وبرود قاتل عدت إلى بيتي أنتظر ألأخبار ...