أينما ذهبت ، ينتابني شعور أنني أرتدي ثيابا فضائية تحميني من الآخرين ونظراتهم ، ثيابا لامعة تخفي إلى أي حد أشعر أنني صغير وباهت في الداخل .
كنت أشعر بعض الأحيان أن حزنك هو نفس حزني من طريقة إصدارك للآهات ومن رنات صوتك ومن طريقة دفاعك عن نفسك أو عدم ترحيبك بالعالم الذي أهديك .
شعرت أخيرا أن حزني ليس مثل حزنك ، وأن السماء أصبحت منحدرة، والسحاب هزيل ، وشعاع صغير من أشعة الشمس الباردة يبحث عن كوة ليدخل منها وريح ضيق النفس يشتكي وهو يغمغم دون أن أتوصل لمعرفة سبب شكواه في الأصل .
إنها الطبيعة مثلنا، بعض الأحيان يهيج شعورها بالظلم والاحتقار.
شعرت أن حزني ليس مثل حزنك ،
حزني أنا ليس كائنا بصورة مطلقة، إنه في مكان ما ، محصور بين جدران لحمي وجلدي ، كما ضباب فاسد ، وسخ ، كثيف ، يجعل كل شيء كالحا، رماديا .
إنه يدحرج العالم في الهباب ويثقل حركاتي ويفرغ يداي وقدماي من كل قوة ويحني ظهري إلى الأمام وكأنني أحمل مساوئ ومثالب العالم كله عليها .
كنت أكافح لكي أجعل أفكاري متسلسلة ، لكنني في الفكرة الموالية يضيع مني الخيط وتشتبك بينها في دماغي كما كرة خيط تشتتت على الأرض ولا سبيل إلى حل عقد وتشابك الخيوط مع بعضها .
منذ أن قمت باتهامي ،أنا، باغتصابك وبأخذ أهم شيء في الوجود بالنسبة لامرأة وهو شرفها ،بدلا من الأرعن الوقح ،عشيقك الذي كنت تحبين وتذهبين إليه بعلمي .
منذ أن أجبرت على تدارك فضيحة لا يد لي فيها ، وفرض علي لملمة الموضوع من طرف عائلتي التي لم تكن تقوى على عائلتك، وتشبثك باتهامي تحت تهديد رميي في السجن وضياع كل مستقبلي إن لم أوافق على تحمل الأمر والزواج منك أمام الملأ معترفا أنني المدان ، يساندك في ذلك عشيقك الكريه المجرم الذي نصب نفسه شاهدا ضدي .
منذ تحملت عواقب جريمة لم أقم بها ، منذ ذلك الحين استوطنني هذا الهلع على شكل زفرات قوية، خوف وخجل ، خجل وخوف وهكذا ، دائرة لا تنتهي ، تدور وتدور ، وتقبض على أنفاسي وفي روحي هناك عدة إنذارات تصدر صوتا قويا ، حتى أنني لا أعرف أي واحد أستجيب له أولا .
تصعد حمرة شديدة إلى وجهي ، أحس بصوت يرن في آذاني يكاد يفقدني رشدي ، أحس أنني أتكلم بسرعة.
أحس أنني لست في مكاني ! لكن أين هو مكاني ؟
على كل حال ، أنا الآن لا أستطيع أن أستمر في هذه المعركة بيني وبين كل الأشياء التي تخنقني ومن ضمنها أنت .
قررت اليوم أن أنتقم منكما معا ،
قررت أن أبعد عني كل هذا الخوف من المجتمع والقيل والقال وما ستظنه العائلة أو أي شيء يمكن أن يحدث !
كنت أحاول في كل ذلك أن أتواصل مع هذا العالم الخارجي الذي أسير داخله لكنه يأبى إلا أن يسير بموازاتي غاضبا ، متحللا ، ضبابيا ، غامضا دون أن يوجه إلي ولو كلمة واحدة ، فقط أبارك أوراق الأشجار البنية التي تتحدث إلي عندما أطأ عليها بأقدام قاسية وخطوات عنيفة غاضبة .
قررت أن أنتقم لنفسي ، لكن هل أستطيع أن أفضح الحقيقة المرة وأمرغ اسمي وكرامتي وكبريائي في الوحل ؟
وتذكرت أن أحدهم من عمق التاريخ كان اسمه شمشون قال قولته الشهيرة : ( علي وعلى أعدائي ) .
قلت لك بثقة :
ـ يمكنك أن تزوري والدتك اليوم فأنا لن أكون موجودا ، سأسافر إلى مراكش لتتمة الصفقة التي بدأتها مع (عائلة الحماني ).
نظرت إليك وقد انفرجت أساريرك اللعينة أيتها الفاسدة المجرمة وأكملت الحديث داخليا ( اليوم ستنتهي مهزلة الحياة معي وستنتهي كل هذه المرارة التي أتجرعها كلما وقعت عليك عيناي).
حملت حقيبتي وخرجت ،
(اليوم ستموتان أيها الفاسدان المجرمان ).
شعرت براحة لا عهد لي بها ، وقد جهزت خنجري الذي سأذبحكما بواسطته أيها الفاسقان !
ترصدت حركاتك من بعيد ، لكنك لم تخرجي من البيت أيتها الفاسدة .
بعد ما مر من الزمن ما يقارب الساعة رأيته آتيا وقد نفخ صدره ونفش ريشه كالديك المقبل على معركة مع إحدى الدجاجات .
وتأكد لدي أنك حزني أما أنت فليس لديك حزن .
أن تموتا فسيأتي ذلك بهدوء إليكما من خلف الباب .
سيطبق عليكما ذلك الصمت الثقيل ، على كل الكلمات التي تنسجان بها مؤامراتكما في الظل ، ذلك الصمت لكل الاعترافات التي كان من الممكن أن تقدماها والتي تموت على شفتيكما ، ذلك الصمت حيث تأتي حركاتكما لتقول شيئا لكنها تفنى وتموت ،
وداعا أيها الشخص الفاني المنتهي والذي كنت عليه .
سأدخل بيتي وأخرج بكل ثقة ، لا يمكن لأحد أن يشك أنني من قتلكما وقتلت قصة غباء وحنق وضغوط لا مثيل لها كانت تسيطر علي .
وداعا .