لا أعرف الكثير عن الليل ، لكن الليل يعرف الكثير عني ، ويراقبني ويظل بالقرب مني وكأنه يحبني ويغمرني بالحياة ، حياة أخرى لا يعرف النهاريون عنها شيئا .
يوشوش لي الليل أن كل ليل هو حياة أفضل وأجمل من حياة النهار بجروحها وآلامها وظلامها الحالك وسجن الكراهية والعدم وموتها البطيء ، موت القلب الذي نسميه اللامبالاة .
وعندما أفتقده في وضح النهار ، أعرف أن ذلك لن يمر بسهولة وأنه خالد في أعماقي إلى نهاية الأيام وأن العالم مهما استمر في دورانه فأنا لن أتحرك أبدا وسأنتظر الليل صديقي الأبدي .
إنني أحس بعمق عالم ليلي وتغلغله إلى أعماقي فأنا من أبنائه وإحساسي دائم أنه لا يمكنني التواجد إلا بالليل .
بالنهار ،أنا لا أعيش .
عندما يأتي المساء فقط تبدأ الحياة ، يتغير كل شيء، صوت الليل يكون أجمل وهو يحكي لي حكايات لا يخص بها سواي .
الليل لا يمنح نفسه لأي كان بل يجب اختراقه ، امتصاصه ، اغتصابه ، يجب أن تعريه من هلاهيل النهار التي تغطيه .
في الوقت الذي ينام فيه بعض الناس هناك فئة أخرى تقتحم عالم الليل بحب وشغف ، الليل صنعها منذ مدة طويلة بطريقته العنيفة ، عجنها وأعاد عجنها ، إنني من هؤلاء ، فأنا لا أستطيع النوم طالما الليل حي تفيض بي ، منه رغباتي وذكرياتي وكلماتي حولي .
أظل مستيقظة عيناي مفتوحتان على الليل الذي يتشبث بالواقع ، أشعر بثقل وجمال إحساس رائع كما لو كنت تحت تأثير مخدر ما ، أندفع ،
ـارتمي في قلب الليل ، وحيدة معه ، تلك الوحدة ، وحدة الساعات المتأخرة ، حيث تتوه الروح وتمتنع أن تسمح للنوم أن يأخذها .
أن أحاول النوم هو سبب آخر لكي لا أطاله أبدا .
في تلك الأوقات ، أستطيع أن أظل لساعات على سرير ما ، أفكر وأفكر وأسافر إلى أمكنة مجهولة من عقلي قريبة من الحلم ومكتظة بأفكاري العشوائية المؤلمة وأنا أغرق في أعماقي باحثة عن حرية ما ؟..
كيف يمكن أن أكون حرة ؟.. وأنا أسير تحت ستار الليل
أسير بحزن ويأس ،
قلت لك وأنت تنظر إلي نظرات غير مصدقة لما تسمعه أذناك ،
كنت أعرف أنك لن تفهم ولن تصدق لأنك صديق النهار ، النهار فقط :
(كطفل بئيس ، غريب
في عالم ، يفقد نفسه طول النهار ،
أسير كالفنان على جناح أفكاره
كحمامة صامتة ، تغطي عينيها
آتية من أقصى أطراف هذا العالم ).
ما أعرفه أنك أيها الليل ، حريتي المنشودة ، فقد أصبحت صديقة الليل لما وليتني ضهرك ورحلت ، كان الأمر كما لو أنني أفقد جزءا مني ، وكل شيء تلفع بالظلام حتى قلبي .
واليوم ، وقد عدت ، بكل شمسك ، فكيف لي أن أكره النهار وأنت نوره؟
رأيت ورودا وشذرات من ذهب عندما رأيتك ترجع إلي ، فتراجع ليلي مفسحا لك المكان ، فأنت ليلي ونهاري .
تأكدت ، حقا أننا لا ننجح في الوصول إلى النور إلا إذا مررنا بطريق الظلام .