اليوم ،
هوت دموعي تغسل كل جسدي .
هل الدموع تغسل الخطايا ؟ أم يغسلها الزمن ؟
أم أن العقل والإرادة هما الذان يفعلان ذلك ؟
أي فرح أعرفه ، فإذا به يتحول إلى كآبة عمياء تحفر داخلي , إلى اشمئزاز وازدراء كبيرين ,
في تلك اللحظة أمنع نفسي من الجري وراء كلاب الشارع .
هل التوازن الذي أحاول أن أقيمه مع هذه الحياة من أجلك يا نفسي خطأ؟
وكيف ؟ والكل واقع في نفس بئر الخطأ منذ الأزل ؟
كثيرون يا نفسي لا يفهمون لمادا جعلت حياتك جنة وجحيما في جسد تسكنينه .
قد قرأت كل الكتب ، وكلها تقول لي:
( إنك محضية، جارية الرجل العربي بل كل الرجال في هذا القرن !).
تجتاحني موجة من مرارة الكراهية، أضغط أسناني بقسوة وأنت تلف بي في منعطفات الضياع .
وكانت انفجارات أحاسيسي بالداخل تتوالى، أتكتمها ، تواجهني بأشعتها الحادة ، أدوخ ، أثرثر ، كي لا أغرق أكثر في صوت الانفجار الداخلي الحاد .
من بين الانفجارات تتسلط بي صورتك ، رجل ذو جسد شفاف وكأنه ملفوف في ضباب بارد ، وجهه نضيرا كان ، قوي هو كالأمر ، وفي جسده المتناسق لم يكن هناك خطأ ما ، بثقة كان يلبس ثيابه ويأكل ويتحدث ، يضاجع ، ويبتسم ،ولا تنقصه النساء ، فهن يتهافتن إليه ، وبوداعة طفل كان يخلد إلى فراشه في آخر الليل ،
كان يعيش الحياة .
وكان من الواجب أن أساله عن أشباهي ، الميتين وهم أحياء، الذين ليس لهم لا حياة ولا مكان , وليس لهم حتى الموت ، ولا قوانين لهم ، ولا تواريخ ،بل تحكمهم قوانين تلك التي يضعها الآخرون ، الناس الأسوياء، السلطة القاهرة واضعة القانون وتلك التي لم يضعها أحد أبدا لكنها هنا تسري عليهم بصورة قسرية، تعسفية .
والناس الناقصون مثلي ، ورثوا إحساسا شعريا بالتشرد، بالدوار ، بالحلم المبتل ، بالحزن ، والتعب في عوالم ما في الذهن ، الأفكار الساقطة في غور التاريخ البدائي، المرتبطة كلها بالجنس في كل الأماسي ، وقبل الآن ، وفي كل النهارات وكل الليالي، والأمسيات ، في كل آن وحين .
وألعن لحظة الهجرة الأبدية التي استوطنت نفسي إلى الحب والشعر والثورة والإنسان النقي وليس السوي .
لكن هاهو الليل يدخل في النهار ،
وها هو النهار سيدخل عند صبح الغد في هذا الليل ، وأنا أدخل فيهما وهما يخرجان مني والقربى يعبرونني وكل الذين زعموا أنهم يحبونني يسيرون بمحاداتي ، ألقي عليهم النظرات .
وهاهي نفسي تغادرني إلى هذا الليل وأنا أخرج منها ومنك ومنهم لأضمه إلى صدري ليلثم خدي، يقبلني بكل حزن الدنيا ، وبكل التعاسة أمي الوحيدة ويذهب .
وأنا ماذا أفعل الآن ؟.