أصرخ بصمت
ماذا أريد ؟
أريد أن أؤثر في الناس بكلماتي ،
أن تتغير حياتهم بأفكاري ..أن يتغيروا هم أنفسهم بكلماتي إلى الأبد ،
وأريد أن تتغير الأشياء حولي بكلماتي ..فلا أجد أي متسول في الشارع
أريد من الناس أن يثملوا بكلماتي ولا يشعروا بثقل الكون على أكتافهم فينحنون ملتمسين راحة الأرض ،
أريدهم أن يثملوا بكلماتي حتى لا يستعبدهم الوقت ،
عندما أكتب الكلمات ، فأنا أصرخ بصمت ، أصرخ بكل شخص :
ــ هل تظن أنك تتعذب كثيرا بهذه الحياة ؟
ـ هل تظن أنه من المهم جدا أن تقول للناس أنك تحبهم ؟
ــ هل تظن أن الشخص لا يتعذب حقا إلا عندما يحب ؟
ــ هل تظن أنه يمكن أن تكذب على نفسك ؟
ــ هل تثق بسهولة في الآخرين ؟
ـــ هل تتأسف أنك التقيت بالبعض منهم ؟
ــ هل منحت عهودا ومواثيق دو ن أن تستطيع الالتزام بها ؟
ـــ ما هي علاقتك بالآخرين ؟
ــ هل تقارن نفسك بمن يحيطون بك ؟
ـــ ما هو رأيك حول أنك لا يجب أن تشتكي مادام هناك من هو أكثر بؤسا منك ؟
ـــ ماذا يمكنك أن تقول للشخص الذي كنت عليه سابقا ؟
ــ ما هو رأيك حول أن كل ما لا يقتلنا يجعلنا أكثر قوة ؟
لن أعرف أبدا إن كنت سأستمر في البحث والاستكشاف أم أنني سأتخلى عن كل شيء ، فأنا أشعر أن كلماتي قاصرة ولا يمكنها الإجابة على كل تلك الأسئلة .
يا قلمي التعيس ، كيف لا تستطيع أن تأتي بالكلمات ، كيف لا تتمكن من الكتابة عن الحب ؟
لماذا كل هذه الكلمات والصراخ من أجل غد مزيف دون حب ؟
لماذا نضع كل تلك الأسئلة ؟
في خضم الدموع والكراهية ، كنت أكافح لأقنع نفسي أنه لا جواب لدي لتلك الأسئلة كلها وأن أتعمق في مغزاها لن يحدث أبدا .
كل يوم كان صعبا اجتيازه ، أكثر من اليوم الذي قبله .
كل الأفكار هجرت دماغي ، أفتقدك في كل لحظة تمر .
لم أعد أعرف ما يجب علي القيام به ،
أن تمحى شيئا فشيئا ، لا ابتسامة هناك ولا كلمة تصدر عنك ,
كنت أنغمر بجنوني الصامت .
أتذكر بعض الأحيان ، وأقلب صفحات ماضي وذكرياتي ، طبعا ، من الصعب أن تستمر متحديا ولا تنفجر بالبكاء، بتلك الدموع التي تملأ مآقيك ولا تنتظر سوى الانهمار .
لكنك في المقابل كنت تبتعد عني والأهم أنني لم أعد أسمع دقات قلبي تتسارع بقوة كما كان يحدث معي من قبل.
الألم جعلني أفهم وأعرف أن كل شيء هو حقيقي ويمر بي ويحصل لي
فالألم هو إسم آخر من مسميات الحقيقة .
القمر كان بعيدا يتصدر السماء وكان جميلا ، متحديا صبري، وموجة من الصقيع تعبرني ، كل شيء يتجمد في داخلي ويتجمد قلبي وتمر ذكراك اللعينة كشريط قصير مهول أمام عيني في ظلام السماء لما وجدتكما معا داخل فراشنا ..
لم يفاجئك حضوري ، بل نظرت إلي وكأنني دخيلة على حياتك ، وكأن تلك الغرفة ليست غرفتنا ، نظرت إلي بنظرات ملؤها الاستهزاء أو كذلك خيل إلي .
أنا من امتلأت عيناي بالدموع التي أعمت عني الرؤية وتوقفت الكلمات في حلقي ..
استدرت على عقبي ، غادرت البيت ، لم تلحق بي .. رغم ذلك شعرت وكأن سهام نظراتك تغرز في ظهري، تكاد ترديني .
أخذت أجري على طريق ما .. لا أعرف كم من الوقت قبل أن أسقط على ركبتي والدموع كانت ما تزال تغسل وجهي .
مسحتها بكفي بعنف ، وبسرعة عدت إلى الوقوف منتصبة القامة وقد صوبت نظراتي أمامي إلى اللاشيء، إلى الفراغ ، كانت نظراتي قاتلة وصوتي أجش وأنا أصرخ :
ـــ موتي يا نفسي ، موتي ..
لم أستطع أن أعرف إن كان هذا الموت سيأخذني إلى الجنة أم إلى الجحيم ، لكن سكينة مفاجئة كبيرة اجتاحتني ،
تناهى إلى سمعي صوت خطوات ،
لم أنظر إلى الخلف .
لم أذرف دمعة واحدة ، رغم أن داخلي كان يغرق ، وكان عقلي يلح علي أن أستدير وألقي بنفسي إلى صاحب الخطوات التي ظننتها له لكنني أمرت نفسي الميتة :
ــ لا تسقطي بين ذراعيه ، فقط لأنك لا تستطيعين الوقوف وحدك .
لم أخرج أية زفرات ، استدعيت كل قوتي لمواجهة المجهول الذي لم أعرف كيف بدأت أولى خطواتي على طريقه .
في البداية ، كنت أحدث نفسي بكلام لا يفهمه الكثيرون ،
وبعد أن استقرت نفسي الميتة داخل صدري الذي أصبح عبارة عن حفرة عميقة ،أسرت لي أن أقوم بتدوين الكلمات التي تراودني لأقتل نفسي وأنتقم بها من بياض صفحات أيامي ..
قالت لي نفسي الموؤودة:
(الكلمات تلعب على الأفكار وعلى الأسئلة نفس دور القمر على المستنقعات ..
دور الكلمات يتلخص في أنك لو أشعلت أعواد ثقاب في قلب الليل الدامس وسط غابة ، عندها ستعرفين كم الظلام الموجود حولك .. )
بعض الأحيان فقط أتمكن من التنفس ، كل الوقت الآخر غضب كبير ينهش أضلعي .
وكرهت كل الكلمات ، ولذت بالصمت . لكن لماذا يأتيني صوتك من بين كل أصوات العالم من غياهب الماضي وأنت تردد باستمرار:
ــ حبنا لن يضيع في الوقت أو في الفضاء ..
ضياعنا وإتلافك المتعمد لحبنا واستقرارنا ، يؤلماني كثيرا ، فأجد في كثير من الأوقات لساني يلهج بكلمة واحدة وأنا أصرخ في صمت :
ــ أصمت .. أصمت .. صمتا .