في منزل هؤلاء الناس الغرباء عني، كانت هناك دمية من الصوف على صوان الموقد.
جال بخاطري أنها فكرة غريبة، أن يضعوا مثل تلك الدمية القبيحة هناك في هذا الصالون.الجميع ينظر إليها، لكن لا أحد يلمسها.
وتذكرت دميتي الجميلة ،النظرات يجب أن تكون بحنان ولمسات هادئة حتى ترسل أشعتها السحرية وتتجاوب معي.
نلمسها ونعود إلى لمسها دون توقف، ونضغط عليها كثيرا عند النوم ونقول لها كلمات من الحب تسقط على الجسد كما حبات عنب حمراء، ماؤها سيترك آثاره التي لن تزول.
كانت نظرات الدمية تسكنني شيئا فشيئا، تستولي علي،
أحسست أنني أتبعها أينما تذهب، وذلك طول النهار، وكانت يداها تلاعباني، وتسكبان السكينة إلى نفسي، .
كانت الأيام تطيركما أسماك مجنحة مليئة بالحراشف، وكانت أياد بيضاء تمتد لتأخذ بعض التفاح من الحديقة الخلفية لبيت هؤلاء الغرباء.
وفي الصباح الباكر كانت دائما هناك على الصوان وبعينيها شعلة الحياة، الفم جميل جدا، والشفتين متعافيتين، محمرتين.
لم يكن يظهر غير ذلك من جسدي الأبيض العاري الشفاف، كنت أريد أن أقنع نفسي بغير ذلك، لكن نظراتها تتلون بمشاعر كره و يتطاير منهما شرار محرق، فأعود من حيث بدأت.
ينتابني و يمزقني إحساس عميق بأنني ضحية وأن الدمية لا تفهمني، لكنني لا أستطيع أن أنكر حبي لها واعترافاتي الكثيرة لها بذلك.
حاولت الابتعاد عنها لما خنقتني، لكنني عدت لأحضنها وكانت لمساتي تعيش عليها.
كم كنت أهرب من هذا الشعور اللعين بالحب، جسدي كله يخر ساقطا تحت هذه الصرخة العظيمة التي تتسابق داخلي لتتمكن من الخروج و التعبير عن حالي، عن سجني، وحرية قاتلتي، تلك الدمية الجهنمية التي تأسرني في هذا الصالون العجيب، المترامي الأطراف بنظراتها فقط
ولا تخرج تلك الصرخة إلى الوجود، تظل تتردد داخلي، هادرة، موجعة، جارحة.
تعلمت الكثير من نظراتها، وأنا في مكاني قابعة، لا حركة ولا سكون.
الماضي كالحاضر يتكدسان كبحر هائج خارج الزمن، أمواجه سوداء متعفنة تبعث على الغثيان.
كل من يدخل إلى الصالون، يدخل في ويخرج مني، وأنا أسيرة نظرات الدمية الكالحة الوجه، الغالية، طبعا فأنا لا أعيش إلا من خلال نظرات عينيها
هدوء المارين، ضحكاتهم، احتفالاتهم، صراخهم، بكاؤهم، ووحدتهم وراحتهم، كل ذلك يندثر شظايا مع نظرات الدمية إلي، ووجوه كل هؤلاء تسمرني في مكاني الأبدي.
حاولت مرات عديدة، أن أركب هذه الريح الباردة الشتوية التي تهب علي من خلال نوافذ هذه الغرفة الفسيحة الأرجاء، لكنها كانت تخترقني كورقة خشخاش يابسة، دون أن تحدث ولو صوتا واحدا، إنه صمت كامل حولي، لانهائي، وتجاهل عام من الكل.
كل الكلمات التي قلتها و أقولها، والتي ظننتها لي وتخرج من فمي، كانت ميتة لاتصل إلى الآذان، بل كانت تذهب إلى شفتي الدمية اللتين كانتا تتحركان دون أن تصدرا أي صوت، لكنها كانت كلماتي، كنت متأكدة من ذلك.
دون تعبيرات أخرى أو كلام لن يسمعه أحد،بل يذهب ليرتسم في شكل حركات على شفتي الدمية.
أحسست أخيرا أنني خارج الكون، أنني لست هنا في هذا الوجود، وكفى.