أنا لست امرأة
أجابته ونظرة عينيها تفضح كل ما يعتمل في صدرها من غيظ وحنق، لكنه نظر إليها وعلى فمه ابتسامة فيها كل معاني اللؤم وقال بتعجب ودهشة :
ــ مادا أنت إذن؟ رجل ؟ أتنفين جنسك ؟
حاولت أن تكبح جماح غضبها حتى لا تظهر على ملامحها تعابير الثورة التي تهز أعما قها وحتى لا يخونها صوتها فيصل الى سمعه متقطعا ، مدبدبا من فرط الأسى الذي يحفر داخلها ، قالت وهي تحاول ان تتصنع الهدوء :
ـ أنا لست المرأة التي تحتفظ لها بتلك الصورة في ذهنك يا سيدي
ـ كيف دلك ؟
ـ المرأة في نظركم يجب أن تكون لي الأبد، ضعيفة، لا يجب أبدا أن تنفض عنها غبار الذل والمهانة ، وترفع رأسها عاليا بتعبها
ـ لا ، لا أنا لا أ قصد، ولا أحتقر المرأة بل أشفق عليها فهي تتحمل ما لا تطيق , يجب أن يحتفظ لها بالأعمال البسيطة والتي لا تتطلب منها وقتا كبيرا صمتت وقد تاهت وراء أفكارها تبحث عما يريده هدا الرجل , و غيره ممن يتسترون وراء تسلطهم وسيطرتهم في كل المجالات تحت ستار الشفقة
أحست أنها تتقلص حول نفسها لتتحول شيئا صغيرا مشوها يصب عليه نظرات كلها شفقة،
عملت كل ما في وسعها لإبعاد هدا الشعور الذي يثير اشمئزازها بينما استرسل قائلا :
ـــ إن المرأة كما تعرفين يجب أن تهتم بنفسها وبيتها ثم ان المناصب الكبرى كما تلاحظين تتطلب منها مجهودا جبارا .
حاولت الاعتراض، لكنها خشيت أن يقابل اعتراضها بالشفقة المعهودة ، فحاولت مرة أخرى أن تغلق الحديث بهدوء حتى لا تبرز له ثورتها ، فيزداد إشفاقا أو بالأحرى شماتة فيها، إن ثورة النساء عنده لا تثير سوى الشماتة، والشفقة أصبحت عنكبوتا كبيرا يستولي عليها ويتولد عنه عناكب كثيرة تنتشر في كل مكان حولها وتنسج حولها خيوطا تقيد حركاتها , تكتم انفاسها ( أنت أيتها المرأة يجب ألا تحلمي كثيرا لن تنالي غير شماتة مثل هدا الرجل.
( أنت أيتها المرأة يجب ألا تهتمي بشيء غير التفاهات ليتسلى بها, ويجب ألا تهتمي لما حولك ولا تفكري بالمناصب وعلى كل فالأعمال كلها شريفة و .. و ..ثم إنها يجب أن تربي أطفالها وعلى كل يجب أن تعتني بنفسها من أجل رجلها ).
أكمل حديثه دون أن ينتبه إلى استغراقها في التفكير.
( رجل البلاهة واللامبالاة هو، هي تعرف أنها لن تقنعه مهما قالت ، وكانت فكرة ما تقفز في ذهنها تعرش من مكان ما، أين وعيه الا يدري ما يقول ؟)
تضاربت عيناهما ,، أسبلت جفنيها ،ظل يتفحصها وعلى وجهه ابتسامة لئيمة ، كان يعرف انه يثيرها بكلماته كان ينتظر ان تجيب فقالت :
ـ نعم معك حق وإلا من يربي الأطفال إنهم المستقبل والمرأة يجب أن تعتني ببيتها ونفسها أكثر من كل شيء .
كان يجب أن تتخلص من هذا الحديث بأي وجه ، كانت كل كلمة منه تتحول فيها الى معول حاد، بينما يصبح الداخل حقلا يحفر فيه بكل قوة وقسوة، وليس هناك من قدرة توقف العضلات المتشنجة ، والأرضية صلبة ، جافة ، والصوت الصادر عن دقات المعول هائل ومفزع , وهي مغزوة من قبل هدا التتري حتى النخاع .
ومع كل نبرة من نبرات صوته، يرعشها الألم، ولا مجال للفرار من الحديث معه في هدا المحيط من التيه والضياع والتخلف الممتد بينهما .
وبسخرية يقول :
ـــ إن أساس تخلفنا وتصدرنا البلدان المتخلفة هو المرأة فهي يجب أكيد أن تبتعد عن طريق الرجل لا أدري ما هدفكن أنتن تطاولتن على كل الحريات .
وكانت خلال حديثه غير المجدي , وكلما ته العقيمة ، قد وضعت رأسها بين يديها ، وعينيها الفارغتين تنظران إليه وتساؤل يجول داخلها ( هل هي في حاجة إلى من يذكرها بالفرق الكبير والصغير بين المذكر والمؤنث .
يا بلاهة الأيام تمر تافهة ، ثرثرة ، ثرثرة ..دون مرتكز وهذا اللاوعي يلطمها به ، يشرع في وجهها هذه الأوبئة التي وح تسكنه ، فكيف تنظفه منها وهو ليس إلا نموذجا ، كيف يحاول أن يطمس معالم كرامتها ويمسح حدودها .
قهقه كعادته وبسخرية ,، لقد أحس بنظراتها المتمعنة على ذقنه وشاربه ، أحس بها تتمعن كل شعيرات لحيته المقصوصة بدقة وعناية ونظر إليها نظرات مليئة بمزيج من الاستهزاء والرعونة والصمت الثرثار ومن حركاته علمت انه منزعج تماما فصمتها قال له أشياء كثيرة عن عناده وتخلف فكره وعلمت انه لن ياذن لها بمغادرة مكتبه إلا حينما يصبح على يقين من أن كرامتها مرغت في الوحل .
وقفت تحاول التخلص من هذا الرعب الذي أخذ يتملكها، فنفسها أعز لديها من أي شيء في هذا العالم وكرامتها فوق كل شيء وجيبه بئر عميق يريد أن يغرقها فيه فلا تتنفس غير أدرانه ذات الرائحة الكريهة .
ــ سأحضر بريدك يا سيدي .
ــ لا ليس الآن! انتظري حتى نكمل حديثنا هذا الموضوع يسليني كثيرا .
_ إجلسي ــ هيا .
طافت بذهنها أفكار كثيرة، لكنها لا تستطيع أن توضحها له لان مخالبه ستبرز أكثر حدة ، وهي في اشد الحاجة إلى الأجر الذي تتقاضاه منه وكأنه صدقة فهو لا يبالي بكدها وتعبها .
لقد شعرت حين قبوله ترشيحها للعمل بمكتبه إنما هو قبول لوجهها فقط ,هو لم يكن يعلم أنه سيصطدم بهذا الجدار المانع فيها , لم يكن يدري أنها ستتسلل كالماء من بين أصابعه .
ـ لم لا تقبلين دعوتي على العشاء نستطيع أن نحدث بهذا الموضوع في جو آخر أكثر حرية .
الخبث أساس ، والغدر يطارد كل المشاعر النبيلة وما بينها وبينه بحر من الظلام الحالك ، لن تقطع مسافاته حتى الصواريخ العصرية ..
ـ لمادا أنت صامتة، إن الفكرة رائعة، المناقشة معك مفيدة.. و أنت حينما تثورين....
ـــ يا سيدي هدا شرف كبير لكنني..لكنني .. لا يمكنني ..
بماذا تجيبه ؟ وكيف تخرج من هده الورطة ؟ ..وما هذا الذي يتكون داخلها ويشب في صدرها ..
ما هذه المساومة الرهيبة ؟؟
الاختيار واضح بين شقين اثنين :
إما أن تقبل , وإما لا تقبل فتفصل من عملها والهزيمة تشرئب في عروقها منتصرة .
أصلح من وضعه، حرك رأسه في زهو، قرأت في عينيه ملامح جرأة جديدة.
بتلعثم وصوت سكنه اليأس أجابت وهي تعرف أنها تحكم على نفسها بالجوع وأن منصبها المحترم بهذا المكتب سيتبخر مع كلمات قليلة ستنطق بها بعد قليل وان الشهادات التي نالتها بكفاءة، لا معنى لها ،إلا أنها تشهد على ممارساته التعسفية وهمجيته في معاملتها والأيام العصيبة التي مرت بها ، دقائقها ، ثوانيها دليل على الغباء الذي كانت تسبح فيه والدي يصدمها اليوم في عنف .
(لو كانت تعلم لما تابعت رحلة التعليم إلى نهايتها ) .
(لكن، لا لا لن أذهب معك إلى أي مكان، والوداع يا سيدي المحترم، وأتمنى ألا أرى سحنتك بعد اليوم .
ــ خديجة ؟ _خديجة أنا لا اقصد، لم أكن أقصد.. .
وصوت الباب يقرع في عنف ويقطع عليه استرساله في مناداتها .
ــ فلتذهبي إلى الجحيم.
(مرحبا بك أيها الجوع في سبيل تغيير ما ،فالانتقام السهل لا ينفع في مثل هده الأحوال , والرضوخ معناه أن تقتل نفسها ، أن تخنقها . يا نفسي أمهليني ، حتى أستطيع أن أتنفس
على الأقل نسجل معا نقطة في الموضوع ـــ موضوع المرأة والغد والكرامة ).