هل تريدين سماع قصة؟
هل تريدين أن أخبرك عن الوحش وأنيابه الحادة الطويلة،مثل هذه في فمي؟ و أظافره الكبيرة جدا، وشعره الأسود الطويل الذي ينزاح على كل أنحاء جسمه؟
هل تريدين سماع المزيد؟
لما رحل والدها، تملكها فضول غريب، فأطلت من نافذة غرفتها على الغابة المجاورة، بينما غراب أسود كان يمعن النظر إليها وهو واقف على الجدار المقابل للبناية.
عادت إلى سريرها، أمعنت النظر إلى الباب الحديدي، الثقيل المغلق، المثبت في جدار الغرفة،
تملكها الفضول، حاولت لمسه، فأحرق يدها.
لما أحضر والدها الفطور، أخبرها أنه صنع كذلك لكي لا يؤذيها المتوحش ولا يتمكن من الدخول إلى غرفتها.
ـ لماذا قد يدخل إلى غرفتي؟
ـ لأنك الأخيرة التي تبقت، هو سبق أن أكل جميع الصغار الآخرين.
إهدئي ولا تصدري أية أصوات،
لكن الأصوات أخذت تعيش داخلها، فدائما ما كانت تسمع أنينا خافتا، فتحاصرها الظنون،
بعض الأحيان، يهيئ لها أنها تسمع صوت خطوات فتتسمر مكانها دون حراك،
(لماذا هي هنا؟ لماذا لم يأكلها الوحش لحد الآن؟)
مرة، وفي معرض إحدى قصص والدها قال لها:
( الأشياء تكبر مع الزمن، مثل كرة الثلج، ومن تم تأتي نحونا لتدوس علينا، وتسحقنا ونحن تحتها.)
لم تفهم ما يقصده حينذاك.
لكنها أخذت تفكر في ذلك الكلام منذ الأمس، فقد أحست بالوحش يزورها ويطوف بسريرها ويجلس قربها وهي نائمة، وينظر إليها،
نظراته كانت تخترقها،
لقد ظنت في البداية أنه أحد كوابيسها المخيفة، لكن اليوم تأكدت من ذلك،
إنه يزورها فعلا أثناء الليل،
صورته ارتسمت في خيالها رغم أنها لم تفتح عينيها أبدا،
لديه عينان صفراوان لامعتان، ووجه قبيح جدا، متجعد، يبعث على الاشمئزاز والرعب إلي جسمها الصغير، فارتعدت فزعا، لكنها لم تصدر صوتا كما أوصاها والدها.
وكأنه شعر بذلك، فرحل ودخل من الباب ذي المقبض الناري.
(لماذا لم يأكلني؟ لماذا؟ )
لم تستطع أن تعرف كم مر عليها من الزمان وهي محتجزة هناك
هل كانت في غيبوبة؟
ماذا يحصل معها؟
من يعتني بها؟
أين والدها؟ هل أكله الوحش؟
آخر مرة رأته فيها، كانت لما جلب لها عصا جميلة مدببة وذهبية اللون قائلا لها أنها عصاها السحرية.
هل كبر جسمها؟
لقد أصبحت فتاة، اليوم، لكن هل هي بشرية؟ أومن الجان؟ ولماذا مازالت محتجزة في هذا المكان؟
تذكرت أن الوحش لن يأكلها الآن لأنها أصبحت امرأة ولم تعد تلك الطفلة الصغيرة.
ربما هي ليست من هذا العالم، ولا من أي عالم آخر.
تبادر إلى ذهنها أنها يجب أن تخرج من هذا المكان.
هل هي تهذي؟ هل ما تشعر به حمى يرتعش لها كل جسمها،أم أن كل ذلك لعنة حلت بها؟
فكرت أن ما يحدث لها من الطعام الذي تجده إلى جانب سريرها،
قررت ألا تأكل شيئا مرة أخرى.
أفكار كثيرة في أعماقها مثل الرنين،
نظرت من نافذتها المدعمة بالقضبان الحديدية المتشابكة
رفرفت مشاعرها لغموض الموت، حاولت رؤية أي شيء في قعر سواد ذلك الليل والغابة،
تذكرت المقبض الناري،
اتجهت نحوه، أدارته، لم يحرق أصابعها، بل انفتح الباب أمامها على الخارج، لا وجود للوحش،
تحت انهمار الشمس، أخذت تجري بكل قواها،
تعثرت،
دار بخلدها أنها يجب أن تنتبه لخطواتها، فلا أحد يعرف لم وكيف وصلت إلى عمق الغابة، ولاهي تعلم أيضا.
توقفت،
شعرت بعينيه عليها، نفسهما، العينين الصفراوين ذات النظرات اللزجة التي تسمرها مكانها،
( نعم، سيأكلني، سيأكلني.)
تقدم نحوها بتؤدة وابتسامة شنيعة أبانت عن مخالب حادة،
كاد قلبها يتوقف عن الخفقان .
نظرت حولها برعب، تذكرت عصاها السحرية، هدية والدها ولعبتها المفضلة في صغرها، هددت بها الوحش،
فوجئت به ينفجر وأطرافه تتناثر حولهما ورذاذ سائل بكل الألوان يغمر المكان،
ترى من كان هذا الكائن؟
وهل لتقضي عليه بعصاها تلك احتجزت في ذلك المكان كل تلك السنوات؟
وهل كان ذلك والدها حقا؟
تركت كل شيء، وغادرت مهرولة، وقد اكتنفها غموض الأسئلة وغموض الغابة، وهي تسير دون هدف ودون اتجاه على طريق غير معبدة وسط تلك الأحراش.
حينما تهدأ وتجد طريقا ما، ربما قد تفكر قليلا في مصيرها.