ولقيتك مرة واحدة ،
أصبحت أخشاك بعدها ،
أخشى بساطتك وقدرتك العجيبة على التسرب إلى داخلي ، لقد تسللت إلى مشاعري دون إذن ، أتدري كيف يتسلل النوم إلى أجفانك ويتركك نائما دون أن تعرف متى نمت ولا كيف نمت ، لقد فعلت أنت ، بي ذلك ، فخيل لي بعد ذلك أن بيننا ود قديم وصلة وثيقة .
وهذه أيام قليلة مرت وأنا لا أستطيع أن أنسلخ منك ، أن أبعدك عني رغم كل العذاب وقسوة حبك الطاغية ، رغم أن طريقي كان شيئا آخر يختلف تمام الاختلاف عن الطريق الذي اخترعته لنفسي بقربك ، ورغم أنك بعيد وقريب في آن واحد .
رغم أنني لا أثق بك تمام الثقة ، ورغم أن حياتي لا تعني لك شيئا وأموري لا تهمك في شيء.
أثور على نفسي الراكنة إليك لا تبغي منك خروجا .
إنني ما زلت أخشاك ،
لقد أصبح الوقت ألذي أعتبره من حياتي هو الوقت الذي قضيته معك ، وهو يسير ، يسبر جدا ، ولأنه يسير فهو لم يف بحقي ، إلا أنني أحس أنني معك طول الوقت ، فأنا أفكر فيك طول الوقت .
لهذا فأنا أخشاك ،
ولذلك فأنا أحاول ولو في غيبتك أن أخلص نفسي منك ، لأنني اؤمن أن على كل إنسان أن يخلص نفسه بنفسه .
التناقض الذي أعيشه ليس له وجه اجتماعي فقط ، بل هو أخلاقي أيضا ، فالمسألة تتعلق بمبادئي ، التي اضطررت إلى التخلي عن بعضها لما قبلت أن أعيش في ظلك ،فقد قبلت أن أعيش بصورة كائن ثانوي ، نسبي وهذا كان معناه أن أدوس على كل ما يصرخ في ، وعلى كرامتي وكبريائي .
فأنا كلما تنازلت ,خفضت نفسي لأستطيع أن أعيش ككائن بشري ، كانت نفسي ذاتها وماضي العريق في تمجيد المبادئ والقيم يثور على ذلك الانخفاض والتراجع ،
وقد كنت كلما رأيتك ولو في خيالي أشعر بصورة أكثر حدة أنني لا يجب أن أتنازل وأنحط كل ذلك الانحطاط .
لم أعرف في البداية إلا الفرح ، فقد كان كل شيء في أيامي يدفعني إلى الأمام ، التحدي الذي جعلته عنوان وقتي كله ، كان يجعلني وكأنني في عيد ، وكان ذلك يطابق كرامتي ويلائم كبريائي ، وقد جعلني ذلك أحارب كل اشكال القهر وأنواع الانخفاض والتقهقر حتى لما أقع في شرك ما ، فإنني أبدأ المحاولة للحصول على خلاص نفسي ، حتى في أسوإ الحالات تماما كنت أستطيع أن أجعل كرامتي وكبريائي في أعلى مرتبة .
وكان ذلك يرضيني تماما ،
ولكن هي الظروف جعلتني أكتشف ما أستشعره بقلق وأنا أتجاوز سن العشرين،
ان أحب فعلا، بعدما كنت لا تهمني إلا كرامتي ونفسي .
واليوم وأنا إلى جانبك ، قد أصبحت فريسة أوجاع فكرية وحيرة مدمرة .
الحق أنني أحببتك، لكن ما لا أريده هو أن يتخذ الحب بيننا شكلا متفقا عليه مخططا له .
أريد حبنا تلقائيا ، حرا ، ذا أجنحة نورانية ، غير مرئية ، يطير بي في سماوات بعيدة لم أرها أبدا .
أريده قدريا ، عفويا , غير مدروس ، ولا تحكمه أية قوانين .
لم أرد أن تخضع لرغباتك على قسر ، ولا أن تنظم متعتك ببرودة أعصاب ، بل أريد أن تتملكك تلك الحمى التي أراها في عينيك كلما أتيت .
أريد أن تكون بهجة حبنا منطلقة ، عنيفة ، طائشة ، لا يقر لها قرار مثل أمواج البحار .
لا أريد أن أطلق نفسيوأطردها من بين جوانحي ويظل جسدي خاليا منها فبها أحيا وبها ألقاك وأراك .
ولابد أن يكون للأرض وجها جهنميا كي أسقط في ذلك الاستسلام لكل المشاعر التي تجتاحني بين الحين ولآخر كومضات سوداء ، فلا أملك إلا الصمت المشحون بالغيظ .
ولطالما لمحت في عينيك بريق انتصار أو نظرات اندهاش وربما استهزاء بحركاتي ، بثورتي الصغيرة على وضعي الذي تفهمه تماما .
كانت تلك النظرات والملاحظات ستقتلني حتما لو أنني ماكنت أعزي نفسي بحريتي ولو لم أشعر أن حريتي تلازمني في كل الحالات .
وأخيرا اكتشفت أن كل ذلك وحتى حريتي تتآمر على أن تشعرني بشعور السقوط والذل ولم أفكر يوما أن أزيف مشاعري وأن أصنع بالأفعال والكلمات حرية لم أملكها ، بل إن تلك الحرية كانت تعيش في دمي ، تسري في عروقي ، وتدفعني أن أتصرف كما أريد ، فكل شيء في يقضي أن أحافظ على نمط معين من الحياة، كنت أعشقه وهو المسربل بتلك الحرية الرائعة .
لكن حياتي تصبح جحيما حينما أصبح متمردة على كل المعاني والقيم الشيء الذي يقودني إلى التصرف الشائع بين كل فصائل بني البشر ,
وكان هذا مبعثا لاشمئزازي الدائم ، وسخطي وتساؤلي المستمر:
ــ لماذا هذا الذعر؟
على كل ، فإن الندم والخوف تملكاني في كل لقاء لنا ، ولكي أستحق هذا العذاب استحقاقا أفضل ، كنت أتدحرج في هوات اللامحدود واللامعقول والعدم .
وإنني لا أعرف إلى الآن ، هل أستطيع أن أفيق من هذه الغيبوبة أم سأسقط من جديد في حلم طويل أزرق ؟
إنني لم أكن قبل اليوم قد سقطت في مثل هذه الأزمات .
لكنني كنت قطعت لنفسي وعدا أن أستردها مباشرة بعد أن ينتهي ألمي وعاهدتها ألا أستنيم إلى تلك الطمأنينة التي تغمرني بها نظراتك .
أي قوة تسلطها عليه ، أي سحر يمكنك مني ؟
في الحقيقة ، أصبحت أخشى كل شيء صادر منك ، أما ما يجعلني أخشى كل شيء وحتى أبسط إحساس بك ، حتى أدنى تفكير فيك ، هو أنت ذاتك .
فأنا لا أعرف مشاعرك تجاهي ؟
ومرارا قالت لي نفسي ، ابتعدي عنه ، ابتعدي عن طريقه .
حاولت أن أصنع لنفسي أنيابا لأصون أمني ، لكن هذه الأنياب كانت من طين كلما أبرزتها كانت تندثر وتتساقط .