يوما أراك ، وأياما لن أ راك .
يوما أغني ، وأياما أبكي وفاصل الاثنين قلق مستمر .
في لحظات لقاك يصيبني النسيان ، من فرط السرور، لكنني أخاف الحزن .
حين تبتعد توغل في أعماقي الوحشة ، أنفاسي تلهث ومن عيني تنبعث أشعة رمادية ، وبين لقياك وابتعادك حيرة وحزن مرير .
أتمنى أن يصيبني النسيان عند ابتعادك ،لكنني أتذكر أن الفجوة بيني وبينك أكبر مما أتصور .
لم أفزع أول الأمر لأنني قررت أن أخوض المعركة وما همني أن ألقي بالسلاح ، فأنا قد تعودت على ذلك منذ زمن بعيد لا أتذكره .
وأتذكر أنني دخيلة ، متسلطة على ما ليس لي ، فإذا ألقيت السلاح اليوم فمعنى ذلك أن أبيع نفسي في سوق النخاسة .
أغني اليوم ، أبكي في اليوم التالي ..
وأتذكر أن قلبي يجب أن يظل مجدبا كالصحراء ، حتى لا تخونني أفكاري فتسرح وراءك طول الوقت .
كل مرة ، تبتعد ، أسكب دموعا صامتة وكلامي ينطلق متقطعا ، لاهثا ، مقتولا ، يحطم حروفك ، خطواتك إلى الخارج ، خارج عالمي .
وأتذكر ،أنه لا يجب أن أقول أي شيء ، فلن تكون لي ، ولن تكون أبدا ومن المستحيل أن تكون لي ..
وكانت خيوط الشمس مكفهرة ، وكان الجدار رماديا يشبه الموت .
دموعي الصامتة تحولت إلى أفكار متحجرة في ذهني ، وحين تبتعد ، تسيح ، تنطلق في فيافي شاسعة .
أطلت علي السماء بعيون ضمأى ، وأمطرتني كآبة من خلال غيمة رمادية مكفهرة ، وأحسست أن فراغي ، هذا الفراغ الذي عشش في عروقي ، في أعماقي ، يمتلئ حزنا وقرفا .
لكن ، لماذا أقول لك هذه الأشياء ؟
وأتذكر ،
أنني لن أستطيع أن أصطنع الشجاعة بعد اليوم ، وأن أنانيتي تعبى تترنح حولك ، وأن ذاتي تنصهر فيك ، وأن حدائق من الزهور تنمو وتزدهر ، تترعرع في ربيعي ..
أهيم في جداول من اللذة ، وقتها تقف اللحظات ، يخيل إلي أن كل شيء في عالمي المجنون يصرخ من الأعماق .
إنني العشق والحب ،
إنني حقيقة هذا الزمان ،
إنني أنت ، وأنت البدء والإياب ..
وأمسك يدك بقوة ، في تلك اللحظة تغمرني الغبطة الأسطورية .
وأتذكر ، أنك لست من حقي أبدا ..
يخدرني ضعفي ، أمتلئ بالمذلة ، تغلفني المهانة ، تتسرب داخلي ، تغمرني حتى العظم .
إنك لست من حقي ، فلماذا أبحث عنك ، لماذا أفكر فيك كثيرا ، لماذا تدور الأفكار في عقلي صلبة ، صامدة ، متجهمة ، تعبس ، تتصدى كلما حاولت أن أطردها بعيدا .
ألعن أفكاري ، ألعن موقفي ، ألعن عالمي المجنون ، ووجودي وأنزوي، الاحتماء بالانزواء عنوان وقتي ، ولكن نظراتي تخونني ، تنفلت ، تغادر عيني بحثا عنك .
لعنت كل شيء بصوتي الداخلي ،
حاولت أن أتبث صوتي الخارجي وأنا أتحدث إليك بصوت عادي غير مترنح ، غير مخدر بوجودك ,
صرخت بأعلى صوتي الداخلي ، جاءني الصدى إحساسا بأنك لست لي ، إحساسا خالدا حتى الصميم ، إحساسا تؤكده لي كل كلماتك وكل حركاتك وسكناتك .
كانت الشمس التي تمدني بحرارتها لكي يسري الدم في عروقي مازالت تبكي وراء غيمة سوداء وثمة خيوط رمادية مكفهرة تنغرس في عمقي وتنطلق من عيني لتشدني إليك .
أخشى أن يصبح ذلي بين يديك عادة ، وأنا لا أريد أن البي رغباتك دون إرادة .
أخشى أن يتخذ عشقي شكل القهر ، فيندحر ، وينهزم وتصبح غابات مجدك في عالمي صحارى.
وتذكرت أنك دخلت عالمي دون جدل ، بطريقتك لا كما أريد ، لكن اعلم أن عالمي المجنون لا يد خله من يريد بل طوع شروطي وأمري ،
كم مرة ينتابني التقزز من رؤية هذه الانسانة الذليلة في أعماقي فتنتصب أنانيتي أو كرامتي كما تسميها مدافعة .
ما يزال في الزمن بقية ، ومازلت رغم العذاب أقاوم ومازال جسدي يتحطم بالرهبة والضعف والتراجع .
شديد علي يوم أتربع فيه على عرشك أميرة ، ثم أمسي عنه معزولة ، معزولة منك ، من تصرفاتك ، من حياتك ، من كلماتك ، أعرف أن عالمك له حدود لا يجوز اختراقها ، وأن ضحكة حبنا في عالمك يجب أن تنأى وينطفئ في عيوننا ضوؤها النظير ، وأشعة فجرنا أسيرة .
أعرف أنني مجنونة ، مجنونة ،
لكنني يذبح ألياف مخي صداعك ، تخنقني كلماتك ، تكبر في ذاتي ، تتعدى حنجرتي ، تتبعثر خطواتي ، ما زلت أرفضك ..
ليتني كنت فعلا مجنونة ولا أكون مجنونة بحبك ..
ليتني كنت مريضة ، جريحة ولكن لا أريد أن تتسلل إلى أعماقي جرثومة حبك اللعينة ،
ليتني كنت سجينة ظالم مستبد ، أسام على يديه أنواع العذاب وألا أكون سجينة زنزانة عشقك تعذبني بسياط عواطفك وهمساتك ونظراتك المحرقة .
ليتني كنت مثل أي شيء مهمل لديك ، لا تعيره اهتماما ولا تصب عليه جام نظراتك ولا يشعر ببحر أحاسيسك ، ولا تتحدث إليه شفتاك .
ليتني كنت كتابا لا تريد قراءته ، أوراقا ترميها في سلة المهملات .
أحب أن أكون لا أحد في حياتك ، لا شيء ، خاصة وأن حياتك مليئة بالآخرين وبأشياء أخرى كثيرة ، تقود خطواتك بعيدا عني .
هل يمكن أن تطغى في الانسانة الذليلة ؟ أين أنانيتي ؟أين كرامتي ؟
كيف حدث أن كلمتك بتلك اللغة ؟ أي إحساس تائه ، عربيد غير واع ، سكران بكؤوس المذلة تحدث إليك ؟ بأية لهجة وكيف انفرجت شفتاي عن كلمات اعتراف تحطمني ، تتوالد دائما في مشاعري ، في قلبي ، في ذاكرتي ، تسمعها أذناي ، تتردد على شفتاي باستمرار ، هل يمكن الآن أن أفعل أو أتحدث وأتصرف وكأنني لم أفه بأية كلمة ؟ هل يمكن بعد أن نفر مني اعتراف ، إحساس خرج عن طوعي ، جاء عند قدميك يتمسح بهما ، يطوف حولهما أن أنظر إلى عينيك مباشرة ، فتنقلني أشعتهما إلى عالم الطمأنينة والراحة والحنان والشغف والحب ؟ هل يمكن ذلك ؟.
سؤال نزفت له عيناي دموعا محرقة ، وظل يطرح على ذهني حتى في النوم .
سؤال أحدث لي ورما في صدري يؤلمني كلما رأيتك ، فأنا لا أستطيع أن أفجره و أن أسكت عنه فهو مرهق .. مرهق ..
لماذا أتعذب بحبك ؟ هل أحبك فعلا ؟
كل الأشياء حولي تقول لي لا تفعلي ذلك ، كل شيء في الحياة المحيطة بي ، ينذرني ، ينصحني ..
أجل ، لا أريد أن أحبك .. ما زلت أصر على هذا المبدأ لأنني كثيرا ما فسرت لك أنني لا أستطيع أن أضحي في الحب ، فالحب ليس تضحية ..
فكثيرا ما شرحت لك أنني عندما أحب فأنا أحب الشخص كله وليس جزءا منه فقط لا يفي بحقي ، لا أكتفي أنا بالفضلات ..
ابتسامة واحدة منك لا تكفيني ..
أحاسيسك الخاطفة تعذبني ..
الشعور بك للحظة ليضيع هذا الشعور في اللحظة الموالية أرفضه .
أظن أنني صريحة جدا ..
موقفك ..وضعك بأكمله ، يمنعك من حبي .
أنت لست لي ..ولا يمكن أن أحبك ، ولكن لا يمكن أن أضيعك ..
كيف تضعني في هذه الحيرة ؟ ما هو السبيل الذي يجب أن أسلكه حتى لا أضيعك ؟
كيف تستطيع أن تسمع صوت الحب والعشق عندما يهمس في أذنك ، ولكنك تصم آذانك عندما تصيح المحبة بصوتها العالي حولك ؟
و يا نفسي
كيف أبلغ سموك ، فأنت تجرحين على يدي كل يوم .
يا نفسي الغالية كيف أحول هذا الجحيم داخلك إلى ضباب وندى ينزل عليك بردا وسلاما ؟
كيف أصعد من أسفل قرار إلى علوك الشامخ الجامح ؟ فأرى فيك الإنسانة الفضلى المرسومة بأصابع ملاك ؟
كيفيا نفسي أحول فيك هذا البحر الهائج إلى صفحة ساكنة كصفحة السماء في يوم مشمس من أيام الربيع؟.
كيف أصبح كالسحاب ، فأملأ السماوات وهناك في موطنك ذاك أغلفك بالطهارة من كل بهتان ؟
لماذا يا نفسي تتعذبين هناك وحدك من أجلي ؟ وأنا الإنسانة الذليلة هنا هاهنا ، يفصلني عنك قليل من العظم المكسو بجلد رقيق شفاف وليس يمكنني أن أطير إليك ، إلى عالم اللاحدود ؟
يا نفسي التي لا رفيق لها ،
أنت هناك تلبسين في العلا رداءا نورانيا وتضعين على رأسك من النجوم تاجا ، وأنا هاهنا ، أيتها الدائرة النارية تحرقيني بلهيبك وسعيرك ؟
وأنا هاهنا ، والرفاق كثر والسفينة التي أركبها مثقلة بأحمال رغباتهم ؟
واتركي يا نفسي الوجيعة مكانك مرسوما محددا بين ضلوعي ، فارا من كل شيء ، تجول فيه رياح الوحشة والغربة والرهبة .
يا نفسي التي لا رفيق لها ،
لماذا ما تزالين تحنين إلي ؟
لماذا تريدين دائما أن تروي عطش جسدي بدموعك ؟
لماذا البحر هائج داخلي ، وأنت صامتة ، صامدة لا تثورين ؟
ابقي حيث أنت يا نفسي ..
أتركيني .. اتركيني .
أريد أن استنزف كل ما بي ، حتى أصير فارغة ،
أريد أن أحرق الأفكار في ذهني ،
أريد أن أقتل الحب في صدري ،
أريد أن أبتعد عن ذكراك ، وأختفي من عينيك اللتين استوطنتهما صورتي ، من يديك قد تلمسان جسدي برقة وحب ، ومن أذنيك تسمعان كلماتي التافهة ، النابعة من جسد وحيد ، خال من نفسه .
أريد أن أختفي من ذهنك حتى لا يطوف خيالي به أبدا ، فنفسي قد تعبت من أثقال ذاتي ، تكاد تسقط طريحة آثامي .
يا نفسي لا تهتمي ، سوف أزيح عنك الأحمال ، وسوف لن تتعبي بعد .
سوف أرتفع إليك عندما ينتهي عهد أرض الألم والشقاء ، والكآبة المعتمة ، المعششة في أنسجة جلدي الرقيق .
أعدك يا نفسي ألا أعذبك أبدا .
ألا إن اللذين غلبهم العشق والشغف يسيرون على هذه الأرض مجللين بالسواد في جنازة دائمة .
سوف أكافح يا نفسي بكل ما تبقى من عظم ولحم لأصل إليك .
إنني سأسير على هذا الطريق ، فهو سيوصلني إلى فجرك الوضاء حيث تنتصر المحبة وتختال جلالا وفخارا وحيث تتحطم القيود لتبرز شبابا دائما ورجولة متحررة من عناء الأرض، وحيث الأنوثة مقدسة ، ومسربلة بنور سماوي ، حينئذ ستضحك المحبة في أعماق صدري ، فتورق أنفاسي ، وتتفتح وجنتي عن حمرة السرور والبهجة ، آنذاك سأستيقظ يا نفسي لأجدك بين ذراعي تحت ضوء فجر جديد ..
فعفوك يا نفسي ، عفوك ،
يا نفسي التي لا رفيق لها
إنني أشفق من انتظارك الذي قد يطول ، وإلى أن ينتهي وتفنى هذه الذات التي تقيدني بعظمي ولحمي إلى هذه الحياة ، علما أن هذه القيود رغم أنها تالفة ، مندثرة إلا أن كسرها لعسير .
عفوا يا نفسي ، فإنني بطيئة وقد طال انتظارك ، لكنني عما قريب أترك للأرض هذه القية الباقية من هذه القيود التي سيصيبها التلف حتما ، حينما ينقشع الضباب الأسود من حولي وأتبين الطريق إليك .