في الصمت ،
في الصمت الآن حولي ، بعد أن خلد الجميع إلى النوم ولم يعودوا يضايقون فكري بأسئلتهم وبأجوبتهم وبضحكهم وصخبهم وضجيجهم وحركاتهم وسكناتهم في تتبع طيفك ،
لما لم يعد هناك أحد حولي غيرك والصمت .
وتكبر صورتك في خيالي ، وتتغلب على فراغ المكان فتملأ وحده كل المكان .
لم أكن أريد أن تكبر صورتك أمام عيني بهذا الشكل ، فأراك تتحرك ، تضحك تجلس ، تمشي ، تنظر إلي .
لا، لا يمكن أن أتسى شلال الحنان الذي يندفع من كل ذرة فيك وأنت تهمس لي بصوتك بكل ملامحك وتصرفاتك ، أنك تحبني ..
وأغض البصر ،
لا ، لن أترك نظراتي تتعلق بنظراتك وأنا أحملق فيك ذاهلة ..
في عزلتي ، في هذا الهدوء والصمت ، أغمض عيني بسرعة لكي لا تخونني نظراتي ، فتختفي صورتك وتذوى في عيني جميع الأحلام ، يتلوى جسدي من الألم ، يقفز قلبي داخل الصدر، يتعلق بأحد ضلوعي مستنجدا ..
لن أنجده ، فلن أحدثك عن الحب ؟
فهذا أمر ربما استولى على أفكارك وسخرها لاحتقاري للاستهزاء بي .
لن أحدثك عن الحب ، فربما كان ذلك مثار سخريتك ، لأنني لا أعرف حقا إن كنت تعرف معنى الفرح في أن يشرب الإنسان قهوته مع الشخص الحبيب إلى نفسه ، ونظراته تكشف كل خبايا نفسه ، فتغوص في عينيه ، تغرق فيه .
لا أستطيع أن أعرف ما إذا كنت تفهم معنى أن تضع رأسك على صدره ، وينصت إلى دقات قلبه ، وأي أمان تسبح فيه وأنت تضحك على كتفه أو تبكي ، وأي جحيم يحرقك وأنت تراه لا يبعد نظره عنك ، يحملق فيك ذاهلا .
لن أحدثك عن الحب ،
لست أدري إن كان هذا هو الحب في رأيك ؟
وهل تعرف ما معنى أن يصعد إليك صوت الشخص الآخر يحكي لك عن ماضيه ؟ وأي نعيم تضيع فيه حين تسكرك نبرات صوته وحينما تريد أن تشرح شيئا ما ، فينظر إليك بحنان ومودة وحب ويقول لك : ( لا تقل شيئا ، فهمت ما تقصده ) .
وأفتح عيني ، فإذا أضواء بكل الألوان تشع من عينيك وأغرق في أشعة عينيك .
لم أستطع أن أواجه التيار الذي جرفني إليك .
لم أستطع أن أوقف زحفي إليك لأنه كان يقوى على سرعة البرق والرعد وعلى الموج، وعلى انفجار القنابل .ورأيت وجهك من بين براكين تزمجر ، وسماء تتشقق ، وحمم تطغى على الأرض كالطوفان ، وإذا السماء تنطبق على الأرض ، فأغلق عيني من هول الحادث ، ، فإذا الظلام يلف الأرض، فأجد نفسي قد وصلت إلى أعماقك في مدة وجيزة تقاس بالمسافات الضوئية ، لم أكن أعرف خلالها النهار والليل فقدت كل إحساس بالزمن ، وكان عليك أن تعيدني من يوم القيامة إلى الحياة .
لقد أخبرتك فيما مضى ، أن لي روحا سابعة وبها فقط أحيا ،
تلك الروح كانت لحظتها في رحلتها اللانهائية في عالم اليأس والملل والعدم ، فإذا بي أجدك بعد سنين عمري العديدة في تلك الرحلة .
جررت هيكلي العظمي إليك ،هذا الهيكل المكسو بقليل من اللحم الذي تسري فيه شرايين كثيرة والكل يغلفه جلد شفاف وتسكن روح سابعة ، والتي كانت تتسكع في ظلام نفسي وعادت إلى الحياة ، بنظرة منك لتنعم بنور الشمس من جديد .
وأغلق عيني ، تنبعث صورتك أمام عيني ،
تسير روحي السابعة ، تنغمر في متاهات أعماقك ، تبحث عنك ، تمسح وجهك ،
يدق قلبي عشرات الملايين من الدقات ونظراتي كلا منحصرة في صورتك ، لا تحيد عنها ، وعقلي كله معك ، يتفحصك ، تسبح أفكاري عنك ، عن بعد ، أحاول أن أستجمع حبال الأفكار التي تصلني بك ،وأنت لست أدري أين أنت ..فلا أستطيع، فهي أكبر وأعظم من أن أقدر على جمعها .
إنني أراك أمام عيني ، ووجهك إلي ، لا يبتعد ، وعيناك تصبان أشعتهما حولي ، أضيع فيها ، أبحث عن وجهك، أتلمسه ، أضيع في ملامحك ، يضيع وجهي على صدرك يسافر عبر مسافاته البعيدة ، النائية .
وأرى شفتيك تتحركان، وأعرف أنك تحدثني ، تحكي لي عن حياتك الماضية عن طموحاتك ،وأنا أنصت إليك .
لم أعد أراك، وإنما استسلمت لصدى نبرات صوتك التي مازالت تملأ مسمعي .
أحس الحرارة والنبض يسري إلى قلبي الميت الذي ازدادت قوة ضرباته ، وأعود إلى رؤية ضوء عينيك ، وأحاول أن أميز وجهك من بين الوجوه العديدة التي تسيطر على حياتي .
تطرد دقات قلبي ، أحاول أن أبدد هذا الشعور ، أحاول أن أمنع انجرافي إليك ، وفي لحظة التحدي هذه يتوقف كل شيء حوالي ، لا أسمع صوتا ولا أحس بردا ولا حرا .
وكيف أحس شيئا وأن لا أحسك إلا أنت ، لا أشعر إلا بك حوالي ، تحاصرني أنفاسك ، تغلفني نظراتك فلا يتمكن أي شيء خارجي أن يتسلل إلى عالمي .
أريد أن يتوقف الزمن في هذه اللحظة ، أن لا يستمر حتى لا يسيطر على ذهني إلا صورتك ، إلا الإحساس بك .
أريد أن تظل وحدك دون غيرك في وجودي ، أفيق من نومي فأرى خيالك ، أتناول فطوري ، فترافقني صورتك ، أسير ، فتسير إلى جانبي ، أنظر فلا أرى غير وجهك ، أتألم ، فأتألم بك ، أضحك ، فأضحك لك أنت فقط ، أفرح فتشاركني وحدك فرحتي دون أن يعلم بها أحد وتكون أنت مصدرها ومنبعها .
أريد أن حبك أكثر من الحمق ، والهستيريا ، أكبر من الإدمان والرعونة والجنون.
أريدك جزءا لا ينفصل مني ، في البعد والقرب ، لا بل أريدك كلا لا جزءا ، أريد عينيك أنظر بهما ، أريد شفتيك أتحدث بهما ، أريد قلبك ، أحس دقاته ، داخل صدري ، أريد صدرك أضع عليه رأسي وأغفو .
هل هذا هو الحب ؟ لست أدري
لا أستطيع أن أحدثك عن الحب ،فالحب أقوى من كلماتي ، فلطالما كنت أخشى أن أضعف يوما ما حينما أواجهه ، ولأنني لا أقبل أن أكون ضعيفة أبدا فإنني رفضته إلى أن وجدتك ،فساورني شك في أنني ممكن أن أحبك لأنك رجل مثل كل الرجال، ولأنني لا أريد أن أضعف أبدا حينما أحب ولا يمكن أن أتخيل أنني ضعيفة بحبك .
أريد أن أرى دائما في عينيك الحب الذي يقويني ، يشجعني ، لا الحب الممزوج بالأنانية وحب النفس و المغلف بالتهديد والاحباط .
لا أطلب منك أن تكون فارسا من الفرسان ، تعطيني الدليل القاطع على قوتك بالمبارزة وركوب الصعاب ، بل أطلب منك فقط أن تنظر إلي بحب فأنتعش وتنتعش روحي السابعة ، فأحس بالرغبة في الركض والضحك ،
أطلب منك أن تظل أنت ، كما عرفتك ، فأنا في حاجة إليك أنت ، بكل صفاتك الحسنة والسيئة لأتمكن من الوثوق بك ولأمنحك وفائي وحبي الكامل .