ما كل هذا البعد الذي أخذ يفصل بيننا ؟
وكيف أمكنك أن تنساق إليه ، كيف جرفك تياره متناسيا العهود والمواثيق .
ما كل هذا البعد الذي أصبح شبحا مفزعا بيني وبينك ؟
إنني هنا أنتظرك في ركني النائي عن الناس وعن كل شيء .
وإنني أتساءل كل لحظة عن مدى تفكيرك بي ، لكنه تأكد لي أن ما حدث كان أضغاث أحلام كنت أسبح فيها وأنا التي كنت دائما أحاول جاهدة أن لا أترك للأحلام والترهات سبيلا إلى عقلي .
وفي بعض الأحيان كانت أفكاري تملي علي أشياء غريبة ..
لم أكن يوما أريد ن يكون حبنا عاصفة تمر وتهدأ وحينما يطلع الفجر لا أجدك أبدا .
كنت أشعر وأنا أفكر في حبك لي بالجنية التي تسكن بداخلي تتسلل خفية كل ليلة إليك تحت ضوء القمر بين أشجار عملاقة تغطي الأرض بأوراقها وهي تدندن لحنا ساحرا ، وتدوس على أعشاب حريرية الملمس ثم تتمدد على سطح الماء واللحن الجميل يرفعها شيئا فشيئا وجسدها يتلوى فرحا .
إن الجنية التي في داخلي عاشقة ..
وفي الصباح ، لم أجد أثرا للجنية التي استوطنتني لليالي كثيرة ، واستفقت لأرى قدماي تنغرزان في التراب ووجهي يعانق زرقة السماء التي كنت اتجول فيها بالأمس .
الأرض لا تهمني ، بل أريد أن أكون محبوبة على هذه الأرض ، وأن يكون الرجل الذي أحبني على هذه البسيطة مازال على عهده وعلى حبه لي ؟
لكن ما هذا البعد الكبير يقف بيني وبينك ؟
أنت لا تعرف أن نفسي طائر سندبادي يمشي في رحلته إلى النهاية ..
وكلما واجهته صخور كبيرة ناتئة أو عاصفة هوجاء ، فإنه يصمد ، يصمد ..ويواجه بعنف .
هذه الأيام ، وأنا التقي بالناس في الشغل ، وأمر بالقرب منهم وهم يجلسون على كراسي المقاهي على الأرصفة ،في الأزقة ، أراقب أفواههم وابتساماتهم وفي كل تلك الابتسامات ، أنقب ، أبحث ، أحلل ، أفتش عن ابتسامة واحدة عندما أجدها ، سأقترب منها أرافقها ، أنقشها على صفحة ذاكرتي ، لن أنساها أبدا .. إنني متفائلة .. أليس كذلك ؟
إنني ما زلت أبحث عنك ...
فأنا لا أريد أن يكون كل ما حدث بيننا قد حدث بتلك السرعة العجيبة ومر بسرعة عجيبة أيضا .
إنني وأنا أحدثك الآن أشتهي أقسى ما تكون الشهوة ، الزمان الذي كان فيه الرجل عندنا شهما .
فما الذي حدث ؟
أريد أن أقلب كل شيء ،
أريد أن يصبح القمر شمسا تلهب الأرض بأشعتها المحرقة ليل نهار لكي أعرف ما الذي حدث؟
أريد أن أعرف سرك ؟ أن أكتشف حقيقتك ؟ أريد أن أعرف ما الذي أصابني ؟ ولماذا أحدثك عن كل هذا ؟
ربما لا أريد أن أفقدك بهذه السهولة ، لأن كل ما اكتسبته روحي من ثقة سيتلاشى وسيندثر وستذهب روحي الطائر وراءه ، ستنفلت من يدي ، ستفنى.
أعتقد أنني كنت أعيش بسبعة أرواح كالكلاب أو الهررة وكل أرواحي على خلافها ماتت إلا روحا واحدة ، بها أستمر الآن في هذه الحياة ومن خلالها أرى وأمشي وبها آكل وأفكر وأعمل .
لعلك الآن فهمت أن هذه الروح التي تبقت لي هي كل ما أملكه على وجه هذه الأرض وهي التي التقت بك ، وتعرفت إليك ، ومنحتك نفسها ، فأصبحت تملؤها بعدما كانت ضائعة ، فارغة إلا من العادي والسائد ، لذلك فإنني أخشى أن أحبك إنني لا أريد أن أكرهك أبدا .
فلتعلم أنه في الوقت الذي ستتوقف فيه عن حبك لي ، في تلك اللحظة بالذات ستموت روحي السابعة .
أشعر بالحزن والأسى واليأس لما أتخيل أنك الآن في قطار وأنا في قطار آخر ، والبعد الزمني والمكاني يفصل بيننا .. يفصل بيننا .