الخاطرة الخامسة عشر
وأحس بهذا النوع من اليأس ،يأس يشمل كل حواسك فلا تستطيع الحركة،، يأس يملأ الجو ، فلا تتنفس إلا هو ، يأس يفرش أمامك الأرض ، فلا تسير إلا عليه ، يأس كبير ، ينتشر فتراه في أعين الناس حواليك ، تسمعه في صوتهم وهم يتحدثون إليك ، تراه في كل حركاتهم ، ، يأس يدفعك دفعا إلى التخلي عن كل شيء والابتعاد لتتفرج فقط بعين لا ترى وتسمع بأذن صماء ، وتتحدث بلسان أخرس .
حينما أتحدث إليك فإنني أحس باليأس ينبعث مع كل كلمة أقولها لك ، وأحس أن كلماتنا كلها مغلفة به ومجوفة وقد نخرها اليأس قبل أن تخرج إلى الوجود، فأصبحت طنانة لأنها فارغة .
لماذا أشعر أنك لا تقول لي ما تريد قوله فعلا ، وأنا أحبك ، وقد عاهدت نفسي أن أحب جميع الناس من أجل ذلك وأن أطرد جميع العقبات التي يمكن أن تقف في طريقي إليك .
وأول هذه العقبات هي هذا اليأس الذي يطبق على صدري ، فلا يترك لي مجالا للتنفس ، يسري في عضلاتي فيشلها عن الحركة ويعمي النظرات في عيني،
فلا ترى أي شيء غير روحي اليتيمة الوحيدة في عالم قد تدلت فيه الرؤوس من فرط اليأس وتدلت فيه الشفاه والعيون .
ولا تراك أنت الآخر بل ترى فقط حبي لك ، هذا الحب الذي هزل من كثرة ماعانى من انعدام الثقة والأمان ، ومن الطعن في الكرامة والتحدي للكبرياء ، وإهانات كثيرة وذل وإحباط .
ورغم كل ذلك اليأس إلا أنني كنت أتنصب مدافعة كلما مرة عن الكرامة والكبرياء التائه وحده في عالم عمه الغش والخداع وتخللته الحيرة .
ربما اندهشت للجرأة التي أحدثك بها لكن الجرأة دائما ما تأتي في جو مشحون بالعذاب ،
أنا نفسي ، لم أكن أعرف من أين استقي تلك الجرأة ، هل بسبب تشبثي بالحياة ؟ أم أن الأمر مجرد دفاع بسيط عن نفسي المتبقية لي ، حتى لا يدفع بها اليأس إلى الهلاك .
وتلك الجرأة إنما هي قطعة من القش ، أتعلق بها في هذا الخضم القذر من الخيانات والغدر لكي لا تنقلب علي أمواجه ، إنها كالمجداف أصارع به تلك الأمواج حتى لا تأخذني بين طياتها .
فالآن لم يتبق لي إلا هذه الروح السابعة ، فقررت أن أحيا من أجلها وأن أدافع عنها .
لقد وضعت عيني في عينيها وأقسمت لها أنني لن أتخلى عنها أبدا ولو قاسيت الأهوال في سبيل ذلك .
إن روحي هذه ستعيش رغم الأزمات ومؤامرات اغتيالها ، فلو مات كل شيء هنا على هذه الأرض فستظل هي تعيش بأمان وتتمتع بنعمة الحياة .
إن روحي هذه هي التي تحكمني منذ هلاك أرواحي الستة الأخرى ، وهي التي توجهني كيفما ىشاء لها ذلك .
لابد أن تعرف أنه :
يوم حبلت بي أمي ماتت روحي الأولى .
ويوم ولدتني ماتت روحي الثانية .
ويوم بدأت أعي أنني أنثى ماتت روحي الثالثة .
ويوم عرفت أنني أصبحت امرأة ماتت روحي الرابعة .
ويوم اصطدمت بالجنس الآخر ماتت روحي الخامسة .
ويوم بحثت عن الحب ولم أجده ماتت روحي السادسة .
وبروح واحدة الآن ، أعيش واستمر إلى أن وصلت إليك و هي وحدها من وجهني إليك فمتى أسأت إليها فإنها ستثور كالبركان وتغضب ولن تغفر لك .