كيف تستطيع أن تتركني هكذا ؟
لم أكن أصدق لو أنك أقسمت أن تتركني بهذه الصورة ؟ لم أر سبيلا للتصديق إلا صحوي منك .
كل صباح ، حينما أفتح عيني ، تطالعني صورتك ، يظل اسمك يتردد على فكري ، يطرقه طرقات رتيبة ، رهيبة ، تستفزه ، ترحل الأضواء من كوني .
ينطلق لساني بعض الأحيان يردده بصوت عال وينطلق أيضا، بشتائم حادة ومتحدية ، محاولة أن أبعدك عني .
الآخرون ،أنساهم بسرعة كبيرة جدا حينما أنتهي منهم وعلى التو .
وأنت ألححت على فكري ، ضللت تتردد عليه كل هذه المدة ، لم أستطع أن أنساك .
صورتك تنبعث إلى جانبي في المرآة كلما مرة نظرت إليها .
تحدثني من خلالها قائلا وابتسامة رائعة تلوح على شفتيك وهما تقولان لي :
( من يستطيع أن يقول إننا لسنا رائعين ).
لن أخشى ذبول شجرة السرو النابتة فوق الغيوم ،واضمحلال أنشودة تترنم بها عرائس حزني في غبش الفجر .
يا رفيقي الأثيري في حياتي اليومية ، إن أغصانك تعرشت داخلي في وفي غيوم السماء البيضاء في صدري ،
وهذه أنا أقف اليوم إزاءها وحدي وقد امتدت أغصانها إلى البحر والليل والفضاء .
وأنا على تلك الحال ، أتنقل من مكان إلى مكان وأغصان سروك تلاحقني ،أناديك في سري، لعلني أرى ملامح وجهك الضائع في بياض وقتي .
إنني هائمة وحدي ضائعة مضطربة في غابات سروك .
أنا وحيدة ، ألحان وحدتي ترددها أغصان أشجارك .
وحدي أنا ، بعيدة في الأ قاصي، علوية ، وورائي وحدة أبعد وأقصى .
إنني ما زلت هائمة فيك فكيف أبلغ تلك الغابة القدسية ؟
نظرت إليك فأضرمت الوحدة في عيني ،
طوال الليل ، أخذت يدك فقادتني نحو ذاتي الحرة الطليقة .
قبلت جبهتي فأصبحت ذاتي مهانة ، ذليلة ..
أخذت أصابعي، تكلمت منهم وحدتي وترنمت بجسدك الريح ، وقبل أن تصبح من العبيد ، انغرست في ظلام الأرض .
في غلس الليل العميق ، هب نسيم معطر بأنسجة كلماتك ، وكان ذلك نسيم منبعث من وحدتي القاسية الجميلة الغامضة ، اللئيمة ، الحانية .
ولج قلبي قداس التهكم من وحدتي التي تفني جسدي تعبد وقال :
كيف لك أيها القلب أن تنقاذ بهذه السهولة ؟
كيف تحب مثل هذا الحب الأعمى ؟
هيا أيها القلب ، أسدل ستارا من الغموض واكره وتقوى واجمد أيها القلب وانهمر مع جسد الريح ولا تهتم ..
واهجر أيها العقل هذا العقل البركان ، واهجر هذا الصدر المليء بالعواصف .
وابق فارغا أيها الجسد وليسكنك النوم والفراغ الأبدي والحزن والتعاسة الأثيريين .