ربما ذهلت لخواطري الرعناء إلى حد عدم التصديق ، وربما سخرت مما أقول ، وربما استغللت ذلك لكي تظل على اتصال بي ، وأنت تتهكم داخلك من سذاجتي وبؤس نيتي وانعدام تجربتي ،
وربما كنت مقتنعا ، قانعا ، بوضعيتك الاجتماعية ، وأنني زوجتك في السر ، مسخرا وضعيتي لمتعتك الإضافية ، تلهو بعيدا عن المسؤوليات والأعباء وترتاح وتعطي لعقلك مهلة للاستراحة إلى جانبي كلما عن لك ذلك ، وأنا فقط أعيش تلك المهل التي تمنحها لنفسك فقط ،
ما يبدو يقينيا ومؤكدا هو أنك لا تحبني ، لا تفرح لفرحي ، ولا تحزن لحزني ، لا تهتم لحياتي التي تقاسمني بعض ساعاتها .
لا تهتم إن جعت أو عطشت ، لا يهمك الأمر إن تعرضت لأزمة ما ، لا يعنيك الأمر إن أصابني الأسى واستبد بي الحزن .
حاولت مرارا أن أثنيك عن عزمك وبكل الاستكانة والرجاء والتوسل حاولت أن أفقدك ،
وكنت بالفعل الشخص الوحيد الذي سمحت له من الاقتراب مني في لحظات إحباط عابرة وكنت قويا ،
كنت ملكة من ملوك الحرمان على هذه الأرض فعزلتني عن عرشي ونزعت عني تاج سيادتي وأخذتني إلى مملكة لا أعرف عنها شيئا .
ووعيت حينئد أنه سوف تتكسر أشياء عديدة ، قد ينفجر بركان الأرض .
كم أنت ظالم ومستبد ، لك اكثر ما يمكن من الدفء وتعلم أنني لم أحسه ولم أعرفه فلم أغريتني به ؟
لعلني ضعفت أكثر مما مضى ، لعلني نسيت في لحظة ليست من زمني أنني يجب أن أتسلح بكل قوتي لمواجهتك .
ولكن ها هو غروب آخر ،
إنه ليل آخر يحذف من يومية حياتي ،
وها أنا ذي أدفع ثمن حماقتي ،
وها إحساس بالخداع يغمرني ،
وهذا أنت تخلفني وحيدة ، وهذا أنت تؤكد لي أنك لن تكون لي ، وتؤكد لي أن لا شيء يتعلق بي يهمك ، فلو أصابني مكروه ، لم تتمكن حتى من أن تتأسف لحالي ولن تكلف نفسك ، حتى السؤال عن مصيري .
فلو لقيت حتفي ، فستستمع إلى الخبر بأسف وربما تذكرت فقط أنني كنت لطيفة جدا معك .
وهكذا تؤكد لي غربتي عنك العارية من كل الشوائب ،
أكره ضعفي ،
يبدأ دماغي بالعمل فورا ، يمنع أعضاء جسمي من التمرد ويحاول منع الدموع من أن تسيل على جبيني ، ويمنع تعابير الأسى أن تعلو ملامحي ، حينئد فقط أحس أن ركبتي ترتجفان كأنهما انفصلتا عن جسي ولم تعودا خاضعتين لأوامر عقلي .
حينئد فقط ، قررت ، بأنه من الواجب علي أن ألملم جسدي تحت الأغطية وأتكوم داخل نفسي ، وأدفن وجهي بين كفي وأبدأ ببكاء دون دموع ،
كم أنا وحيدة .
وفكرت ، ( هذه الفوضى الدخيلة على عالمي ‘لى أحاسيسي ، من أين أتت ؟ ).
ربما أنها قد أتت مع كل خطوة خطوناها معا ، فتكاثرت وتعاظمت .
واليوم ، إنني في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب العالم داخلي ، ، إلى إعادة ترتيب القيم والمفاهيم على ضوء التجارب المريرة والقاسية التي مرت بي جنبا إلى جنب مع الفوضى العارمة داخل عالمي .
في البداية ، لم أن أريد الاقتراب منك أكثر ، لطالما كنت أضع بيني وبينك كل الحدود والعقبات .
كنت كل يوم أراك فيه ، أعيد النظر في كل حركة قمت بها ، حتى لا تتملكني في اكتشافاتي عنك التي أحزنتني أو أفرحتني ، لكنها حتما أدهشتني .
ما أدهشني أكثر هو انسياقي البطيء إليك ، الذي كنت من جهتك تراقبه وتتعهده بالعناية ، تربت عليه كل لحظة برفق وحنان وصبر ، وصبر ..
وفجأة بدأ قاربي يتجه نحوك بسرعة أكبر ، يمخر عباب بحرك الشاسع في فضول وترقب أيضا .
وبدأت الأشياء والمواقع تتغير ، وأصبحت أمواج بحرك تتلاطم ، ففقد قاربي السيطرة على عبابك ، فصار القاع سطحا والسطح صار قاعا ، والسماء اقتربت من متناولي في ومضة برق .
الطريق الذي سرت وما زلت أسير عليه ، وحيدة ، أصبح أمام عيني دربا قصيرا أرى نهايته على مرمى البصر .
وأنت ؟ من أنت بالضبط ؟
من أنت لتفعل بي كل هذا ؟
تغمض عينيك ، تفكر في جواب لهذا السؤال ، يدق قلبك بعنف ، تشعر بسعادة وارتياح خارقين فقد استطعت أن تحيا مع أنفاسي ، تشعر بالسرور والبهجة لأنك استطعت أن تتفجر داخلي كما تفجرت في الصحة والأنوثة والذكاء ، وانت كلما تفجرت داخلي إلا وأحدثت اضطرابا كبيرا لا حدود له ، تختلط فيه الموازين، لا أتمكن من إعادة ترتيبها في عالم الهشيم الذي تخلفه في المقابل .
أنا لا أحيا فيك ، لا أحدث فوضى في عالمك الداخلي ، بل إن نمط حياتك هو ، هو ، لم يتغير ولم يتبدل ، ما زلت تتحكم في قاربك الذي الذي تركبه نحوي ، بل توجهه عن بعد ، وبحرك ليس هائجا مثل بحري ، بل إن أمواجه لطيفة ، هادئة ، لا تزعزع قاربك قيد أنملة .
أنت ما زلت تقرر ما ستفعله بي ، وأنا كم أنا وحيدة .
أنت كلما فكرت بي فإنك لا تريد لأفكارك أن تخرج لحيز الوجود ، فأنت تستطيع أن تفكر بي عن بعد ، لكن أفكارك تظل حبيسة نفسك ودماغك .
قد تواسيني ، لكنك لا تستطيع أن تتألم لألمي ، تستطيع أن تعتذر عما تسببه لي من عذاب وفوضى ، لكنك لا يمكنك أن تتعذب ولا أن تحس بالفوضى التي أصبحت تعشش في كياني .
تستطيع أن تضع بعض الكلمات على جرحي في محاولة لتضميده ، لكن جرحي أنا هو الذي ينزف .
وأنا دائما وحيدة وعالمي مليء بالقهر والارتياب ،
وأنت من أنت بالضبط ؟